مسألة: [في بيان أن قوله تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} من المجمل]
  والذي يدل على صحة ما قلناه: أن فيه حد المجمل وحقيقته، فلذلك دخل في جملته؛ لأن المجمل كل خطاب لا يفهم المراد من ظاهره على التعيين إلا باعتبار غيره كما قدمنا، وهذا لا يفهم المراد منه إلا باعتبار غيره؛ لأن القائل إذا قال: زيد وعمرو لا يستويان، حسن من السامع أن يقول فيم؟ إذ الإستحالة اختلافهما في كل شيء، واتفاقهما في كل شيء، فبطل ما قالوه، وأما في هذه الآية فقد بين سبحانه فيما لا يستوون بقوله: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}[الحشر: ٢٠]، فبين أنهم لا يستوون في الفوز.
مسألة: [في بيان أن قوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} من المجمل]
  ومما أخرج أصحاب الشافعي من هذا الباب، وهو منه قوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}[البقرة: ٢٦٧]، واستدلوا من ظاهره على أن عتق الرقبة الكافرة في كفارة الظهار لا تجزي(١).
  والذي يدل على لحاق هذه الآية بباب المجمل: أن المراد على التعيين [لا(٢)] يعلم من ظاهرها كما قدمنا؛ لأن الخبيث في لغة العرب يستعمل فيما تنفر منه الطباع، وتكرهه النفس، واستعمل في النجس والقذر، ويستعمل في الشرير من الحيوان، فالظاهر له كما ترى فبطل ما قالوه.
= أن المراد أنهما لا يستويان في جميع الصفات، ولا يتفقان، فتبين أنهما لا يستويان في بعض الصفات، ولما لم يذكر ذلك البعض صارت الآية مجملة؛ ثم بين في آخر الآية وجه الإستواء وأنه في الفوز، فتبين أن الآية لا تدل على ما ذهبت إليه بعض الشافعية.
قال في شرح الغاية (٢/ ٢٢٦): وأصحابنا وإن وافقوه في الحكم فلم يوافقوه في الأصل، وإنما منعوا قتل المسلم بالكافر ولو كان ذمياً بعموم: «لا يقتل مسلم بكافر» رواه البخاري وأبو داود) انتهى.
(١) لأنهم قالوا: إن الرقبة الكافرة خبيثة فلا تجزئ في العتق بدليل قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ}[النور: ٢٦]، فيجب دخوله تحت النهي عن إنفاق الخبيث، وذلك يدل على المنع من إجزاء عتق الرقبة الكافرة في كفارة الظهار.
(٢) ما بين المعكوفين زيادة غير موجودة في الأصل المصور.