صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده أم لا؟]

صفحة 55 - الجزء 1

  وإنما قلنا إن ذلك لا يجوز لأنه يودي إلى تجويز بعثه الأنبياء $ من دون المعجزات وذلك ما لم يقل به قائل، لا عالم ولا جاهل، ويصير ما قدمنا جارياً في التمثل مجرى ما نقول إنه يجوز من أحدنا أن يعلم من حال ولده أنه إذا خيره بين سلوك طريقين أو أكثر إلى بيت درسه كان أقرب إلى امتثال أمره من إذا قال له اسلك طريقاً من هذه الطرق الثلاث مثلاً وهي التي أُريدُ سلوكها بين اثنين ولا يبينها له، ولأنه سبحانه خير بينها فلو كان بعضها واجباً، وبعضها نفلاً لما جاز التخيير وذلك ظاهر.

مسألة: [الكلام في الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده أم لا؟]

  ذهب أكثر العلماء إلى أن الأمر بالشيء لا يكون نهياً عن ضده.

  وذهب بعض الفقهاء وهو الظاهر من مذهب المجبرة⁣(⁣١) إلى أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، وأحسب أنهم أخذوا هذا القول عن بعض من ينتسب إلى علم الكلام من قوله إن إرادة الشيء لا بد أن تكون كراهة لضده.

  والصحيح هو الأول، وهو مذهب أئمتنا $، وشيوخنا رحمهم الله تعالى.

  والذي يدل على بطلان ما قالوه: أن صيغة الأمر وشرطه، يجب أن تخالف صيغة النهي وشرطه، فكيف يكونان شيئاً واحداً مع المخالفة هل ذلك إلا كقول من يقول إن الخبر هو الإستخبار، وإن الوعد هو الوعيد، وبطلان هذا القول عند التحقيق يجري مجرى الضرورة، وأقرب ما يتوهم في قولهم أنهم يريدون أنه سبحانه إذا أمر بأمر واجب أن يكره كل ما منع من تأدية ذلك الأمر ويجعلون المانع ضداً، وهذا أيضاً يبطل؛ لأن الضد على هذا الوجه قد يكون مما لا يصح منه النهي، كأن يكون من فعله سبحانه مثل


(١) قال الإمام يحيى بن المحسن الداعي في المقنع الشافي: (أما المجبرة فقصدوا بذلك تصحيح مذهبهم في الإرادة لأن شيوخنا - رحمهم الله - ألزموهم على قولهم: «إن الله تعالى مريد لذاته» أن يكون مريداً لكل ما يصح أن يكون مراداً، كما أنه لما كان عالماً لذاته كان عالماً بكل ما يصح أن يكون معلوماً؛ فكان يجب أن يريد الضدين كما أنه يعلمهما فقالوا - هاربين من هذا الإلزام -: إن إرادة الشيء كراهة لضده، كما أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، فبنوا فاسداً على فاسد).