صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

فصل: [الكلام في التأسي، هل وجب عقلا أو شرعا؟]

صفحة 234 - الجزء 1

  وأما الترك: فأن نراه ترك فعلاً على وجه في وقت ومكان يعلم دخولهما في غرضه، فإنا نتركهما في ذلك الوقت والمكان على ذلك الوجه؛ لأجل تركه ونكون قد تأسينا به.

فصل: [الكلام في التأسي، هل وجب عقلاً أو شرعاً؟]

  وقد اختلف الناس في التأسي بالنبي ÷؛ فمنهم من أوجب ذلك عقلاً، ومنهم من أوجبه شرعاً.

  وكان شيخنا ¦ يمنع من إيجابه من جهة العقل، وهو الذي نختاره.

  والدليل على صحته: أن العقل يقضي بتجويز اختلاف التكليف بتجويز اختلاف المصالح، والمصالح تختلف بالأزمنة والأمكنة، والمكلفين فكان لا يمتنع في العقل أن تكون مصلحته ÷ مخالفة لمصلحتنا، ومتعلقة بغير ما تعلقت به مصلحتنا فيجب عليه ما لا يجب علينا، ويحل له ما لا يحل لنا، ويحرم عليه ما لا يحرم علينا، وقد كان ذلك، فإنه ÷ وجبت عليه الوتر والأضحية، ولم تجبا علينا، وحل له نكاح ما فوق الأربع ولم يحل لنا، وحرم عليه وعلى أهل بيته عليه وعَلَيْهم السَّلام النذر والصدقات، ولم تحرم على سائر الأمة، فإذا كانت دلالة العقل تمنع من التأسي به، فكيف تكون دلالة عليه.

مسألة: [الكلام في وجوب التأسي بالنبي في جميع أفعاله إلا ما خصه دليل]

  واعلم أنه يجب علينا التأسي به ÷ في جميع أفعاله الشرعية إلا ما خصّه الدليل، وهذا مذهب شيوخنا، وهو الذي كان شيخنا ¦ يعتمده ويحتج له، ونحن نختاره.

  ومن الناس من قال: يجب علينا التأسي في أمور مخصوصة دون غيرها خصتها الدلالة نحو قوله ÷: «صلّوا كما رأيتموني أصلي»، وقوله #: «خذوا عني مناسككم» وما شاكل ذلك.