صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الأدلة على وجوب التأسي]

صفحة 233 - الجزء 1

الكلام في الأفعال

[الأدلة على وجوب التأسي]

  اعلم أنه لا خلاف في أن التأسي بالنبي ÷ واجب على الجملة لقوله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}⁣[الأحزاب: ٢١].

  ووجه الإستدلال بهذه الآية: أن الله سبحانه وتعالى عقب ذكر التأسي بالتخويف، فلو لم يكن واجباً لما عقبه به.

  أما أنه عقبه به: فذلك ظاهر؛ لأن قوله: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} إشعار منه بالتخويف.

  وأما أنه لو لم يكن واجباً لما عقبه به: فلأنه سبحانه لا يخوف على ترك المندوب ولا المباح على ما ذلك مقرر في مواضعه من علم الكلام، ولقوله سبحانه: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}⁣[الأعراف: ١٥٨].

  ووجه الإستدلال بهذه الآية: أن الإتباع يتضمن معنى التأسي؛ لأن اتباعنا لقوله هو أن نعمل بمقتضاه وذلك ظاهر عند أهل المعرفة باللغة العربية والمعاني، واتباعه في فعله أن نفعل مثله لأجل أنه فعله على الوجه الذي فعله عليه إذا علمناه في الوقت، إن لم يتقدم علمنا تخصيصه له به وبالمكان على ما يأتي إن شاء الله تعالى، فإذا علمنا معنى الإتباع وكان قوله: واتبعوه أمراً، وقد قدمنا الكلام في أن الأمر يقتضي الوجوب بما لا طائل في ذكره ثبت وجوب اتباعه.

  واعلم أن التأسي بالنبي ÷ يقع في وجهين:

  أحدهما: في الفعل، والثاني: في الترك.

  أما التأسي بالفعل: فمعناه أن تراه يفعل فعلاً على وجه في موضع تعلم من غرضه إيقاعه فيه مخصوصاً بزمان، ويكون إيقاعه له على وجه الوجوب، فإنه يلزمنا أن نوقع صورة ذلك الفعل على ذلك الوجه في ذلك الوقت والزمان والمكان.