مسألة: [الكلام في عدم حجية إجماع أهل المدينة وحدهم]
  والذي يدل على صحته: أن الآية لم تخص أحداً من المؤمنين دون أحد فثبت وجوب اعتبار الجميع، وإنما أخرجنا العوام لتعذر المعرفة عليهم، وهذه العلة زائلة عمن قدمنا ذكره، فلا يجوز إخراجه.
مسألة: [الكلام في عدم حجِّية إجماع أهل المدينة وحدهم]
  إجماع أهل المدينة وحدهم عندنا ليس بحجة.
  وحكي عن مالك أنه قال: إن إجماعهم حجة، وكان بعض أصحابه ينفي ذلك عنه وينكره وأحسب أنه أبو بكر الأبهري(١)، وقال: إنما قال إن روايتهم أقوى من رواية غيرهم.
  والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه: أن أهل المدينة بعض المؤمنين، وقد بينا أن الإعتبار بإجماع جميع المؤمنين.
  أما أنهم بعض المؤمنين فذلك ظاهر.
  وأما أن الإعتبار بجميع المؤمنين فلأن الأدلة أوجبت اعتبار الجميع، فاعتبار البعض يكون عملاً بخلاف مقتضاها، وذلك لا يجوز.
  فأما ما روي من قول النبي ÷ من «أنها طيبة تخرج خبثها كما يخرج الكير خبث الحديد(٢)»، فذلك لا يوجب كون قول أهلها حجة لأن مدحة الله سبحانه ومدحة رسوله ÷ لمكة أكثر فكما لم يكن قول أهل مكة حجة فكذلك المدينة، ولأن كل واحد منهما مهبط الوحي فما لزم لأهل أحدهما لزم لأهل الأخرى.
(١) أبو بكر الأبهري: محمد بن عبدالله بن محمد بن صالح التميمي، أبو بكر الأبهري البغدادي، الفقيه المالكي، كان شيخ المالكية بالعراق. توفى سنة خمس وستين وثلاثمائة. انظر الجداول (خ).
(٢) أخرجه البخاري (٢/ ٦٦٥) رقم (١٧٨٤)، وأحمد (٣/ ٣٠٦) رقم (١٤٣٢٣)، وابن حبان (٩/ ٤٩) رقم (٣٧٣٢)، والنسائي (٢/ ٤٨٢) رقم (٤٢٦٢)، وأبو يعلى (٤/ ٢٠) رقم (٢٠٢٣).