صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في ترجيح العلة بما يرجع إلى أصلها]

صفحة 356 - الجزء 1

  يبين ذلك أن أحد العمومين لا يصير أقوى من الآخر بأن يكون التخصيص الذي تناوله أقل مما تناوله الآخر فيكون ما أريد به من الفوائد أكثر مما أريد بالآخر فكذلك العلتان.

مسألة: [الكلام في ترجيح العلة بما يرجع إلى أصلها]

  فأما الترجيح بما يرجع إلى الأصل؛ فبأن تكون إحدى العلتين منتزعة من أصول كثيرة، والأخرى منتزعة من أصل واحد أو اثنين، وكان شيخنا ¦ يحكي اختلاف الناس في ذلك، وأن منهم من رجح بذلك، ومنهم من لم يرجح.

  وقال قاضي القضاة: لا يرجح به إذا كانت طريقة التعليل واحدة، وإن كانت طريقته غير واحدة رجح به.

  وذكر الشيخ أبو الحسين البصري أنه إن كانت علل الأصول كثيرة وأماراتها كثيرة فذلك وجه ترجيح، وإن كانت العلة واحدة وأماراتها واحدة، وكان الأصل نوعاً واحداً وإنما أشخاصه كثيرة فإنه لا يرجح بذلك، وإن كانت الأصول أنواعاً كثيرة وقع الترجيح بها.

  وكان شيخنا ¦ يعتمد هذا القول، وهو الذي نختاره؛ لأن علل الأصول متى كانت كثيرة وأماراتها مختلفة فالترجيح بذلك يقع بشهادة العلل بعضها لبعض، ومتى كانت العلة واحدة ونوع الأصل واحد واشخاصه كثيرة لم يقع بذلك ترجيح لأن النوع واحد، فلا يعلم أن آحاد بعض الأنواع أكثر من آحاد النوع الآخر، ومتى كانت الأصول أنواعاً كثيرة فإن الترجيح يقع بها وإن كانت علتها واحدة؛ لأن الأصول الكثيرة تكون شاهدة لإحدى العلتين ويكون حكمها أشد ثبوتاً في الأصل من حكم الأخرى وذلك مقوٍ للظن.

  ومثال ذلك: تعليل اشتراط النية في الوضوء بكونه عبادة يشترط في بذلها النية دليله التيمم قياساً على الكفارات فإن اختلاف أنواع الكفارات يوجب قوة هذه العلة وتكون