مسألة: [الكلام فيما سمعه الصبي ورواه حال كبره، وفيما رواه حال صباه]
  وحكى عن أبي هاشم وأبي علي والقاضي وجوب التخيير وقد تقدم الكلام فيه مفصلاً في باب المجمل والمبين.
  وقال أبو الحسن وجماعة لا يجوز تعارضهما حيث لا يظهر بينهما ترجيح؛ بل لا بد من فضول وجه يرجح به.
  والذي يدل على صحة ما ذهب إليه شيوخنا من جواز وقوعهما بحيث لا يظهر ترجيح: أن كل أمر منهما يجوز أن يرجح به أحد الخبرين على الآخر من الثقة والعدالة والضبط والورع وسلامة متن الخبر، وتخلص معناه، واستواء عدد رواته، وموافقته للظواهر، وعضد القياس له لا يمتنع تساوي الخبرين في ذلك، وإن كان نادراً، وكذلك فلا دلالة في العقل ولا في الشرع يمنع منه فإذا استويا لم يرجح أحدهما والحال هذه على الآخر؛ لأن الترجيح والحال هذه يكون ترجيحاً لغير دلالة، وذلك لا يجوز.
مسألة: [الكلام فيما سمعه الصبي ورواه حال كبره، وفيما رواه حال صباه]
  وإذا سمع الصبي الخبر في حال صغره، وسمعه معه غيره وهو في حال الكبر، ثم أدياه إلينا في حال الكبر، وجب قبوله عندنا ولا ترجيح لأحد الخبرين على الآخر، وذلك مما لا نعلم فيه خلافاً، وإنما يتعين الخلاف في قبول روايته في حال الصغر، فإن منهم من جوز، وهو عندنا غير جائز لما لا نأمن من تساهل الصغير في روايته، وقلة صوارفه على الإقدام على القبيح لعدم عقله، وإذا كان الأمر هكذا لم يحصل لنا الظن بصدقه، فلا يجب علينا قبول روايته؛ بل لا يجوز.
  وأحسب أن الذي حمل أهل هذه المقالة عليها ما بلغهم من قبول الصحابة لما روى لهم الحسنان ª عن أبيهما رسول الله ÷، وكذلك ما روى عنه ابن عمر، وابن الزبير(١)، فتوهموا أن الأخبار قبلت منهم في حال صغرهم.
(١) عبدالله بن الزبير بن العوام، أبو خبيب الأسدي، أول مولود من المهاجرين بعد الهجرة شهد مع خالته عائشة يوم الجمل، أشد الناس عداوة لآل رسول الله ÷ قطع الصلاة على النبي ÷ أربعين جمعة أيام أمارته، بويع له سنة أربع وستين بعد معاوية بن =