صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في الترجيح بين خبري الحظر والإباحة]

صفحة 229 - الجزء 1

مسألة: [الكلام في الترجيح بين خبري الحظر والإباحة]

  إذا اقتضى أحد الخبرين حظراً والآخر إباحة، فقد حكى شيخنا اختلاف أهل العلم في أنه هل يجوز أن لا يكون لأحدهما حكم باقٍ في العقل أم لا؟

  فذهب بعضهم إلى أن ذلك يجوز، ثم اختلفوا بعد ذلك؛

  فمنهم من قال بأنه متى لم يمكن لأحدهما حكم باقٍ في العقل فإنهما يجعلان كأن لم يردا ويعمل في الحادثة بما يقتضيه العقل متى لم يوجد دليل شرعي يدل على حكم الحادثة سوى الخبرين، وهو مذهب أبي هاشم، وعيسى بن أبان والقاضي.

  وقال أبو الحسن: الحظر أولى وهو المروي عن ش.

  وذهب آخرون إلى أنه لا بد من أن يكون لأحدهما حكم باق في العقل وهو قول الشيخ أبو الحسين البصري وكان شيخنا ¦ يعتمده وهو الذي نختاره.

  والدليل على صحته: أن العقل لا بد أن يقضي في الفعل بحكم من الأحكام من قبح أو إباحة أو ندب أو وجوب وإلا رفعنا كونه جائلاً في الذهن، وألحقنا العاقل بالنائم والمجنون، فإن قضى أحد الخبرين في الفعل بإباحة، وكان حكمه في العقل الحظر، كان المبيح أولى لأنه الناقل والحكم له كما قدمنا، وإن كان حكمه في العقل الإباحة كان الحاظر أولى؛ لأنه الناقل أيضاً، وكذلك إن كان حكمه في العقل الوجوب كدفع الضرر عن النفس، أو الندب فهما فرعان على الحسن الذي أصله الإباحة، كان الحكم للناقل أيضاً بعد مراعاته عند تقدير سقوطهما أو تكافيهما.

  فأما إذا لم يقدر له بقاء في العقل، فالصحيح عندنا في ذلك ما ذهب إليه أبو الحسن من تغليب الحظر على الإباحة لكونه أحوط، ولأنه قد تقرر في الجارية بين الشريكين أنَّ وطئها يَحْرُمُ على كل واحد منهما لاستواء الحظر والإباحة فيها، فغلب الحظر قولاً واحداً، وكذلك الحكم فيمن طلّق زوجة من زوجاته والتبس عليه الحال، فلم يدر أيهن طلق فإنه يجب عليه اجتنابهن جميعاً لاجتماع الحظر والإباحة، وقد ثبت وجوب اتباع كلام الحكيم سبحانه وتعالى، وخطاب رسوله ÷ متى أمكن، وأنه