صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في الأمة إذا استدلت بدليلين، أو اعتلت بعلتين، هل يجوز إحداث دليل آخر وعلة أخرى أم لا؟]

صفحة 270 - الجزء 1

مسألة: [الكلام في الأمة إذا استدلَّت بدليلين، أو اعتلَّت بعلَّتين، هل يجوز إحداث دليل آخر وعلَّة أخرى أم لا؟]

  إذا استدلت الأمة بدليلين، أو اعتلت بعلتين؛ فقد اختلفوا في أنه هل يجوز إحداث دليل آخر وعلة أخرى؟

  فذهب قوم إلى أن ذلك جائز.

  وذهب قوم إلى أن ذلك لا يجوز.

  وكان شيخنا ¦ يذهب إلى أن الأمة إن علم منها المنع من إحداث دليل ثالث أو القطع على بطلانه، لم يجز إحداث دليل ثالث وعلة ثالثة، وهذا الذي نختاره، وإن لم يعلم ذلك من حالها جاز إحداثه.

  والذي يدل على صحته: أن الإنسان إذا استدل بدليل ثالث لا يدل على خلاف ما دل عليه دليل الأمة بل يدل على ما دل عليه دليلهم لم يكن مخالفاً لهم بل كان موافقاً، ولم تمنع الأدلة إلا من مخالفتهم دون موافقتهم، بل دلت على وجوب موافقتهم، ولا يمتنع أن يدل على الحكم الواحد أدلة كثيرة، والكلام في إحداث العلة كالكلام في إحداث الدليل؛ فإن كانت العلة المستحدثة تنفي حكماً مما دل عليه تعليل الأمة، أو تدل على خلاف ما دل عليه تعليلهم لم يجز إحداثها، وإن أيَّدت تعليلهم وقضت بمثل ما قضت به علاتهم جاز إحداثها؛ لأن المعلل بها لا يكون مخالفاً لهم بل يكون موافقاً لهم ومتبعاً لسبيلهم.

  وكان شيخنا ¦ يحتج لجواز ذلك بأن الناس يستحدثون الأدلة والعلل في كل وقت من غير مناكرة بينهم في ذلك فكان إجماعاً، وهذا فيه نظر؛ لأنه لا يمكن أن يقال إن المانعين من إحداث الدليل والعلة لا يسوغون لأحد إحداث شيء من ذلك، ومن جوز إحداثه هم البعض فلا يصح دعوى الإجماع، فإن صحّ فهو آكد الدلالة.

  وإذا تأولت الأمة الآية بتأويل فإن شيخنا ¦ كان يذهب إلى أنهم إن نصوا على فساد ما عداه لم يجز إحداث تأويل سواه، وإن لم ينصوا على فساد ما عداه جاز