مسألة: [الكلام في حال المستفتي إذا استوت عنده أحوال المفتين]
  فإن كان أحدهما أعلم، والثاني أشد ورعاً؛ فقد ذكر شيخنا ¦ أنه يحتمل أن يقال: إنهما سواء، ثم قال بعد ذلك: والأولى أن يأخذ بقول الأعلم لزيادته فيما يعين على الإجتهاد والوقوف على الصواب إلا أن يعلم من العالم التساهل في أمر الفتوى، فيعمل حينئذ على قول الأورع، ومثل هذا النظر لا يخفى على العوام؛ لأنه كتدبير الدنيا، ومعرفة أهل السياسة فيها من غيرهم فلم يسقط ذلك عنهم.
مسألة: [الكلام في حال المستفتي إذا استوت عنده أحوال المفتين]
  فأما إن إستوت أحوال المفتين عند العامي في العلم والدين والورع على بُعْدِ ذلك؛ فقد حكى شيخنا ¦ اختلاف أهل العلم في أنه هل يكون مخيراً في أقاويلهم أم لا؟
  فعند جماعة من العلماء أنه يكون مخيراً في أقاويلهم، وذلك هو قول الحاكم.
  وذكر أبو القاسم البلخي في عيون المسائل أربعة أقوال، ولم يبين أيها يختار، فكأنه توقف.
  أحدها: أن يأخذ بالأول.
  والآخر: أن يأخذ بالأخف إلا في حق العباد.
  والثالث: أنه تخيير.
  والرابع: أنه يأخذ بأيها شاء في حقوق الله تعالى، وفي حقوق العباد يرجع إلى القاضي.
  وذكر قاضي القضاة: أن المفتين متى تساووا لم يكن له الأخذ بالأخف من الأقوال طلباً للتخفيف.
  وكان شيخنا ¦ يذهب إلى أن للعامي أن يختار أي العلماء شاء فيجعله مفزعاً له في الفتوى ويأخذ برخصه وتشديده، فإذا اعتمد واحداً في الفتوى لم يعدل إلى غيره إلا أن يكون قوله أحوط فإنه يجوز له العمل بفتوى غيره فيما قوله فيه أحوط.
  وهذا الذي نختاره، إلا في رجوعه إلى الأحوط إذا كان قولاً لغير إمامه، فإنا لا نجيز له الرجوع إليه على الإطلاق إلا أن يتفق قول إمامه وقول العالم الآخر في كون الفتوى