مسألة: [الكلام في اعتدال القولين عند المفتي]
  هذا الذي عندي؛ فإن غلب في ظنك كون غيره أولى فاتبعه؛ لأن مخالفه وإن كان أعلم فاجتهاده عند نفسه أولى، وهذا كله عند من يقول بأن كل مجتهد مصيب.
  فأما عند من يقول بأن الحق في واحد؛ فلا كلام لأنه لو خيره في تلك الحال لكان قد خيره بين الحسن الذي هو قوله عند نفسه والقبيح الذي هو قول من خالفه، وذلك لا يجوز.
  وإن كان شيخنا ¦ قد ذكر عن الشيخ أبي الحسين البصري أن التخيير يجب على أصلهم أيضاً، قال: لأنه ليس بأن يجب عليه الأخذ بقول أحد المفتيين بغير حجة أولى من الآخر، وكان شيخنا | يذهب إلى ما ذكرنا أولاً، وهو الصحيح عندنا؛ لأنه وإن جاز للعامي قبول الفتوى ممن يثق به وأخذه منه بغير حجة فليس للعالم أن يفتيه بذلك لأن قول غيره إذا كان من أهل هذه المقالة خطأ عنده وقوله الصواب، ولا يجوز له تخيير المستفتي بين الصواب والخطأ، وإنما اختلف حال الفتوى وحال الحكم؛ لأن الحاكم إنما وضع لفصل الخصومات وقطع الحقوق، فلو خير في الحكم لم تنقطع الخصمة.
  قال شيخنا ¦: وهذا إنما يرجع فيه إلى أمر المستفتي؛ فأما المفتي فالقول فيه في الحكم والفتوى واحد كما قدمنا.
  فأما الحكم فليس له النزوع إلى حاكم آخر وإن غلب على ظنه أن قوله أولى؛ لأن الحكم عليه فليس له فيه خيار والفتوى حق له فكان فيه الخيار، فله أن ينزع إلى مفتٍ آخر إذا غلب على ظنه أن قوله أولى.
مسألة: [الكلام في اعتدال القولين عند المفتي]
  وإذا اعتدل القولان عند المفتي وكان ممن يرى أنه لا بد من ترجيح بينهما يتميز به أحدهما على الآخر ولا يجوز استوائهما من كل وجه وجب عليه معاودة النظر حتى يرجح عنده أحدهما فيفتي به.