صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في تخيير المستفتي بين الأقوال المختلفة]

صفحة 376 - الجزء 1

  سبقه الإجماع بالقول والفعل والتقرير فلا يلتفت إليه؛ لأن الصحابة والتابعين وغيرهم من طبقات المسلمين يفتون العامي ولا يثبتون له الوجه بغير مناكرة بينهم في ذلك فكان إجماعاً، وعِلْمُنَا بأنهم لم يثبتوا له الوجه حاصل على حد عِلْمِنَا بأنهم أفتوا في المسائل إلى أن حدث هذا الخلاف، وقد سبقه الإجماع؛ فكان محجوجاً به، ولولا ما قلنا لما تميزت طبقة العوام عن طبقة العلماء، ولأن العامي لا يمكنه الإستدلال وإن نبه على الوجه وطريقته، وهذا معلوم لنا من حالهم فكان إعلامه بالوجه عبثاً وذلك لا يجوز، ولأنا كما نعلم أنه لا يجب على الحاكم أن يعلم المحكوم عليه بالوجه الذي حكم عليه لأجله من طريق الإجماع، نعلم مثل ذلك في المفتي فكما أن فساد الأول معلوم فكذلك هذا؛ لأن ظهور الإجماع في أحدهما كظهوره في الآخر.

مسألة: [الكلام في تخيير المستفتي بين الأقوال المختلفة]

  وإذا أفتاه بقول مجمع عليه لم يخيره بلا خلاف في ذلك؛ فإن أفتاه بقول مختلف فيه؛ فقد حكى شيخنا ¦ عن الشيخ أبي الحسين البصري أنه ينبغي أن يخيره بين أن يقبل منه وبين أن يقبل من غيره.

  وكان شيخنا ¦ يذهب إلى المنع من ذلك ويقول: ليس للمفتي تخييره لأن ذلك منه تخيير له بين العمل على الظن الأقوى وبين العمل على الظن الأضعف وذلك لا يجوز لانعقاد الإجماع على خلافه، وهو الذي نختاره، لمثل ما ذكره شيخنا ¦.

  ولأنه إنما سأله عما يغلب في ظنه صحته عنده وهو قوله دون قول غيره فكأنه صرح بسؤاله من جهة العرف عما يجب عنده العمل عليه وليس ذلك إلا قوله دون قول غيره؛ لأنه لا يجوز للعالم العمل على اجتهاد غيره على ما نبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى.

  وسواء علم من حال العامي التسوية بينه وبين مخالفه في تلك المسألة أو لم يعلم، اللهم إلا أن يعلم من حال المستفتي أن مخالفه أعلم منه كان له أن يخيره على معنى أن يقول له: