صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في الأخبار هل تكون طريقا إلى العلم أم لا؟]

صفحة 172 - الجزء 1

مسألة: [الكلام في الأخبار هل تكون طريقاً إلى العلم أم لا؟]

  اختلف الناس في الأخبار هل تكون طريقاً إلى العلم أم لا؟

  فذهب السُّمَنِّية⁣(⁣١) وهم فرقة من الملحدة إلى أنها لا تكون طريقاً إلى العلم البتة، وأنه لا طريق إلى العلم إلا المشاهدة.

  وذهب سائر أهل العلم إلى أن الأخبار طريق إلى العلم، ثم اختلفوا؛

  فمنهم من ذهب إلى أن الأخبار المتواترة طريق إلى العلم الضروري، وهو الذي ذهب إليه شيخنا ¦، وحكاه عن مشائخنا المتكلمين، وهو الذي نختاره.

  ومنهم من قال: هو طريق إلى العلم الإستدلالي ولا يحصل إلا بضرب من الإستدلال، ورواه عن البغدادية والشيخ أبي الحسين البصري.

  والدليل على صحة ما اخترناه: أن أمارة العلم الضروري حاصلة فيه، فوجب أن يكون العلم بمخبر الأخبار ضرورياً، أما أنها حاصلة فإنا لا نفرق بين العلم الضروري والعلم الإستدلالي في الأصل، إلا بأن العلم الضروري لا ينتفي عن النفس بشك ولا شبهة وإن انفرد، والمكتسب ينتفي عن النفس بالشك والشبهة إذا انفرد، وهذه الأمارة قائمة فيما علمناه بالأخبار المتواترة كعلمنا بمكة وبغداد وما شاكلهما، ولأنه يحصل لمن لا حظ له في النظر كالعوام والمهملين، ولأنه يحصل لمن لا سبيل له إلى النظر كالسفهاء المنقوصين والمراهقين، ولأنه لو كان العلم به مكتسباً كما قالوا لما حصل إلا لمن نظر في الأخبار وتعرف أحوال المخبرين في إختلاف دواعيهم، وتباين أغراضهم، واختلاف دواعيهم، ومبلغهم في الكثرة، واستحالة التواطؤ عليهم، ومعلوم أنه يحصل لمن لا يعلم شيئاً من ذلك.

  ولأنا نعلم من نفوسنا حصوله لنا بدون النظر والإستدلال، وأجلى الأمور ما يجده الإنسان من نفسه؛ فأما السُّمَنِّية فبطلان قولهم أظهر من أن يحتاج إلى تطويل، واعتبار


(١) السمنية: بضم السين وفتح الميم فرقة من عبدة الأصنام تقول بالتناسخ وتنفي وقوع العلم بالأخبار.