مسألة: [الكلام في ترجيح المستفتي بين من يأخذ بقوله عند الإختلاف]
  ولا شبهة في أنه لا يجوز للعامي أن يستفي من غير العالم الذي ليس بمتدين بل لا يكفي في جواز الإستفتاء كونه عالماً إذا لم يكن متديناً ورعاً؛ لأنه لا يأمن إذا لم يكن على تلك الحال تساهله في النظر ولا يؤدي الإجتهاد حقه فيفتيه بالخطأ أو يغشه فيفتيه بما لا يجوز له العمل عليه لقلة دينه وورعه.
  فمتى لم يظن فيه العلم والدين باطناً ويعلمهما منه ظاهراً لم يجز له الرجوع إلى فتواه والأخذ بقوله.
  وذهب قوم إلى أنه لا يجب عليه ذلك بل له أن يقبل قول المفتي من غير نظر في حاله، وما ذكرناه هو الذي كان شيخنا | يذهب إليه، وهو الذي نختاره.
  والدليل على صحته: أن العامي متمكن فيما ذكرناه من التثبت في الأمر، والإحتياط للدين والوصول إلى غالب الظن في علم المفتي ودينه بما قدمنا ذكره من الأمارات، فلم يجز أن يعدل عما يمكنه العمل عليه باستعمال طريقة شرعية؛ لأن العمل على الظن في الشرعيات واجب على من أمكنه.
  ومثاله: ما نعلمه أن العالم المتمكن من الإجتهاد في الأمارات التي توصله إلى غالب الظن لا يجوز له العدول عنها والحكم بغير اجتهاد ولا نظر لأنهما قد استويا في أن كل واحد منهما متمكن من تحصيل غالب الظن لصحة ما يعتمده.
مسألة: [الكلام في ترجيح المستفتي بين من يأخذ بقوله عند الإختلاف]
  ومتى اتفق أهل العلم والإجتهاد في الفتوى وجب على المستفتي قبولها بلا خلاف بين أهل العلم في ذلك؛ فإن اختلفوا وجب عليه عندنا الإجتهاد في أعلمهم وأدينهم وطلب الأمارات على ذلك؛ لأن ذلك يمكنه، وهو مقوٍ لظنه، وقد تقرر وجوب طلب الظن الأقوى لمن لم يمكنه العلم، وأنه لا يجوز العدول عنده إلى الظن الأضعف مع التمكن من الظن الأقوى كما قلنا في المجتهد في المسائل إنه يجب عليه البحث والإجتهاد حتى يحصل له العلم أو غالب الظن فيما لا يتمكن فيه من الوصول إلى العلم.