صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في صحة استعمال القياس على كل أصل]

صفحة 309 - الجزء 1

  وما ذكر ¦ بعد ذلك أن قدراً من الرفق لا يجوز أن يصلح الصبي وهو على صفة مخصوصة إلا ويصلحه مثله وهو على تلك الصفة، لا يلزم عليه ما ذهب إليه؛ لأنا نقول: إن قدراً من الرفق قد يصلح الصبي، ثم إذا انضاف إليه مثله لم يمتنع مصيره مفسدة، وعلى هذا قال سبحانه وتعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ}⁣[الشورى: ٢٧]، فأخبر أن الزيادة على ذلك القدر من جنسه لو زيد لصار مفسدة، وهذا كما ترى ظاهر، ولأن الإنسان قد يتصدق بدرهم لعلةٍ، ولا يتصدق بدرهم آخر، وإن استويا في كونهما إحساناً ولا مضرة عليه في واحد منهما، وهذا بخلاف ما يترك لعلة؛ لأنه لا يصلح أن يتعبد المكلف بترك ذلك الفعل بصفة تخصة ولا يتعبد بترك ما يشاركه فيها لقيام الدلالة على أن من ترك فعلاً من الأفعال لصفة تخصه؛ فإنه يترك لا محالة جميع ما يشاركه في تلك الصفة ويتعذر خلاف ذلك، والتعبد لا يجوز وروده بما يتعذر.

  ومثاله: ما يعلم أن العاقل لا يجوز أن يترك سلوك طريق مخصوص لكون اللصوص فيه أو السباع، ثم يسلك طريقاً آخر فيه هذا المخوف، وكذلك لا يجوز أن يترك أكل الطعام؛ لأن فيه السم، ثم يأكل طعاماً آخر فيه السم، وهذا الأصل الذي قدمنا يبنى عليه أن تخصيص العلة لا يجوز إن كانت علة للترك، ويجوز إن كانت علة للفعل.

مسألة: [الكلام في صحة استعمال القياس على كل أصل]

  ذهب أكثر الفقهاء والمتكلمين إلى أن القياس يصح على كل أصل سواء ورد النص على القياس عليه بعينه أو لم يرد، وسواء اتفقوا على تعليله أم لم يتفقوا على ذلك.

  وحكي عن بشر بن المريسي⁣(⁣١) المنع من القياس على أصل إلا أن تجمع الأمة على تعليله.

  وعن قوم أنه يجب أن ينص لنا على وجوب القياس عليه، واختيارنا هو الأول⁣(⁣٢).


(١) بشر بن غياث بن أبي كريمة المريسي، أبو عبدالله الحنفي، الفقيه المتكلم، كان من المرجئة وإليه تنسب المرجئة، توفي سنة (٢١٩ هـ).

(٢) أي الذي ذهب إليه أكثر الفقهاء والمتكلمين من أن القياس يصح على كل أصل.