صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في الخبر إذا ورد بخلاف الأصول]

صفحة 208 - الجزء 1

مسألة: [الكلام في الخبر إذا ورد بخلاف الأصول]

  إذا ورد الخبر بخلاف الأصول التي هي الكتاب والسنة المقررة فإن شيخنا ¦ منع من قبوله.

  واحتج لذلك بأن الصحابة أجمعت على رد ما هذا حاله وإجماعهم حجة كما قدمنا، فعل عمر في حديث فاطمة بنت قيس.

  وعندنا أنه إذا ورد على الشرائط التي يجب معها قبوله فإنه يقبل سواء ورد بخلاف الأصول أو وافقها.

  والدليل على صحة ما ذهبنا إليه: أن الدليل الذي دل على وجوب العمل بخبر الواحد لم يفصل بين خبر وخبر، ولا بين وروده مخالفاً للأصول ولا موافقاً، فلا تصح دعوى الإجماع على رده إذا خالف الأصول، بل إنا ندعي الإجماع على اتباع الخبر الذي ورد بخلاف الأصول من الصحابة، وذلك لأن عمر قبل خبر عبد الرحمن بن عوف فلم ينكره أحد مع أنه ورد بخلاف الأصول؛ لأن الكتاب والسنة المقررة قضيا بوجوب قتل المشركين وحملهم على الإسلام طوعاً وكرهاً، والمنع من قبول الفدية منهم في ذلك إلا الكتابيين، ثم لما روى عبد الرحمن الخبر في قضيتهم ترك الأصول واتبع الخبر، بمشهد الجماعة، ولم ينكره أحد بل صار أصلاً لاحقاً بالأصول.

  وأما رده لخبر فاطمة بنت قيس⁣(⁣١) فإنما رده لتهمة عرضت في شأنها، ولهذا علله فقال: (لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لخبر امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت) فظاهر هذا القول يدل على أنه لم يرد خبرها بمجرد معارضته للكتاب والسنة؛ لأنه قد عمل بما عارضهما كما قدمنا لما غلب في ظنه صحته، فلما لم يترجح عنده صدقها على


(١) فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك، من المهاجرات الأولات، وهي التي جاءت النبي ÷ مستشيرة فقال: «أنكحي أسامة» فنكحته فاغتبطت، وكانت ذات عقل وافر وهي التي تذكر في السكنى والنفقة للمطلقة البائن. توفيت بعد الخمسين. انظر لوامع الأنوار (٣/ ٢٣٢)، والجداول (خ).