مسألة: [الكلام في ما يعتبر في التأسي]
  وحكى شيخنا ¦ عن أبي علي بن خلاد(١) أنه قال: إنما يجب علينا التأسي به في باب العبادات دون غيرها من المناكح وسائر الأفعال.
  والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه: أن الله سبحانه وتعالى أمرنا باتباعه وأوجب التأسّي كما قدمنا في قوله: واتبعوه أمراً مطلقاً، فوجب عمومه كما في قوله سبحانه وتعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة: ٤٣]، ولم يخص فعلاً من فعل فوجب التأسي في جميع الأفعال إلا ما خصه الدليل، فإذا فعل فعلاً على وجه وجب علينا إيقاع مثل ذلك الفعل على ذلك الوجه؛ لأجل أنه أوقعه بجميع ما قدمنا من الشروط.
  دليل آخر: وهو أن الصحابة أجمعت على الرجوع إلى أفعاله كما أجمعت على الرجوع إلى أقواله، وإجماعهم حجة على ما يأتي بيانه.
  أما أنهم أجمعوا على الرجوع إلى أفعاله: فذلك ظاهر من أمرهم؛ لأنهم لما اختلفوا في الإيلاج من غير إنزال هل يوجب الغسل أم لا؟ رجعوا إلى أزواج النبي ÷ فأخبرنهم أنه كان عليه وآله السلام يغتسل من ذلك فتأسوا به في وجوبه، وكذلك في الجنب إذا أصبح صائماً، وفي قبلة الصائم، وتعرفوا خبره في زواج ميمونة هل كان محلاً أو محرماً إلى غير ذلك، فلو لم يكن التأسي به ÷ واجباً على وجه العموم لما رجعوا إلى تعريفة(٢) أفعاله؛ لأنهم لا يتعرفون الحكم من أمرٍ لا تعلق له بتكليفهم، كما أنهم لا يتعرفون الحكم من أفعال عيسى # وغيره من الأنبياء À؛ لأنه لا يرتبط به تكليفهم، ولا تتعلق به مصلحتهم.
مسألة: [الكلام في ما يعتبر في التأسي]
  ويعتبر في التأسي به عليه وآله السلام الصورة مثل كون الفعل صلاة أو سعياً، والوجه مثل كونه واجباً أو نفلاً، والسبب كأن يسهو فيسجد أو يقرأ آية مخصوصة.
(١) أبو علي بن خلاد: من الطبقة العاشرة من طبقات المعتزلة، من أصحاب أبي هاشم الجبائي درس عليه بالعسكر ثم ببغداد، صاحب كتاب الأصول والشرح، مات ولم يبلغ حد الشيخوخة.
(٢) أي معرفة أفعاله.