صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في اختلاف المفتين في الورع والعلم وتفصيل ذلك]

صفحة 381 - الجزء 1

  وحكى شيخنا ¦ عن قوم أنهم أسقطوا عنه الإجتهاد في ذلك، ونصره الشيخ أبو الحسين البصري، واحتج له: بأن العلماء في كل عصر لا ينكرون على العامي ترك الإجتهاد في أمر العلماء بل يسوغون له العمل على فتوى من أفتاه بغير إنكار منهم عليه، فكان ذلك إجماعاً.

  وأجاب عن ذلك ¦: بأنا لا نعلم إجماعهم على ذلك حتى نعلم أنهم علموا أن العامي استفتى من العالم بغير نظر في أمره ولا ترجيح له على غيره في ظنه، وهذا لا سبيل إليه، وإذا لم يعلم العلماء ذلك من حاله لم ينكروا عليه؛ لأن أمور المسلمين محمولة على السلامة إلا فيما ظهر خلافها، فإذا رأوه يستفتي جوزوا أنه ما استفتى إلا ممن غلب على ظنه أنه أولى من غيره بأن يرجع إليه ويؤخذ منه، بل ذلك هو الواجب عليهم؛ لأن تحسين الظن بالمسلمين واجب ما أمكن، وقد أمكن فلا يصح دعوى الإجماع على خلاف ما ذكرنا.

مسألة: [الكلام في اختلاف المفتين في الورع والعلم وتفصيل ذلك]

  فإن استويا عنده في العلم وكان أحدهما أشد ورعاً من الآخر، كان أشدهما ورعاً أولى بالإستفتاء لأن شدة ورعه تحمله على التثبت في أمر الإجتهاد، وتدقيق النظر في المسائل وقلة التساهل عن أمر الحادثة فيكون الظن بما يفتي به أقوى، والعمل على الظن الأقوى هو الواجب.

  وكذلك القول إذا استويا عنده في الدين والورع، وكان أحدهما أعلم؛ فإنه يجب عليه الأخذ بفتوى الأعلم.

  وقال قوم: يجوز له الأخذ بفتوى الأنقص علماً، وإن كان الأخذ بفتوى الأعلم أولى، وهذا عندنا غير صحيح؛ لأن ظنه بصحة فتوى الأعلم أغلب من حيث هو أهدى إلى طريق الإجتهاد، وأعرف بأصول الأدلة، وأثقب نظراً فيحصل غالب الظن بصحة فتواه دون الآخر، إذ لا يجوز العدول عن العمل على الظن الأقوى مع إمكان حصوله والعمل على الظن الأضعف مع إمكان الإنفصال عنه.