صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في جواز تعبد النبي ÷ بالقياس والإجتهاد عقلا]

صفحة 303 - الجزء 1

  ومن ذلك خلافهم في المشتركة⁣(⁣١)، فورثهم عمر، ولم يورثهم علي #، ومما يؤيد ما ذكرناه ما ظهر منهم من إطلاق القول بالرأي كما روي عن أبي بكر في الكلالة: (أقول فيها برأيي)، وعن عمر: (أقضي فيها برأيي)، وعن عثمان: (نتبع رأيك فرأيك رشيد)، وعن علي #: (اجتمع رأيي ورأي عمر في حديث أم الولد) حتى قال له عبيدة⁣(⁣٢) السلماني: (رأيك في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك).

  والرأي إذا أطلق في مسائل الشرع أفاد القياس والإجتهاد إذ لا يجوز حمله على غيرهما من الحدس والتبخيت، فصح بما قلناه أن التعبد بالقياس والإجتهاد وردا في الشريعة على أبلغ الوجوه.

مسألة: [الكلام في جواز تعبد النبي ÷ بالقياس والإجتهاد عقلاً]

  ذهب أكثر العلماء إلى أنه كان يجوز تعبد الرسول ÷ بالقياس والإجتهاد عقلاً، كما أنه ÷ تعبد بذلك في الآراء في الحروب، وربما مر لأبي علي خلافه، واختيارنا هو الأول.

  والذي يدل على صحته: أن التعبد باستعمال القياس إنما يرد بتعلق المصلحة به، ولا يمتنع أن تتعلق مصلحة النبي ÷ بذلك كما تعلقت مصلحتنا فتعبد به كما تعبدنا، ولأن ذلك ظهر لنا من أمره # في الحروب وآراء الدنيا؛ فجاز


(١) المشتركة هي مسألة فرضية اشتهرت (بالحمارية) وهي أن امرأة هلكت وتركت زوجاً وأماً وإخوة لأب وأم وأخوين لأم؛ فإن علياً # جعل للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين لأم الثلث وأسقط الأخوة لأب وأم لاستغراق ذوي السهام للمال، وأما عمر فشرك بين الإخوة لأب وأم وبين الأخوين لأم في الثلث.

وسميت بالحمارية: لقول الأخوة لأب وأم: يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حماراً ما زادنا إلا بعداً، ألسنا من أم واحدة.

(٢) عبيدة - بفتح العين المهملة - ابن عمرو، ويقال: ابن قيس بن عمرو السلماني - بفتح السين المهملة، وسكون اللام - وسلمان قبيلة من مراد، أسلم قبل وفاة النبي ÷ بسنتين ولم يلقه، توفي سنة (٧٢ هـ).