صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في ترجيح العلة بما يرجع إلى طريقها]

صفحة 349 - الجزء 1

مسألة: [الكلام في ترجيح العلة بما يرجع إلى طريقها]

  أما ترجيح إحدى العلتين على الأخرى بما يرجع إلى طريقها: فهو أن تكون طريق وجود أحدهما أقوى من طريق وجود الأخرى في أصلها أو في فرعها، أو تكون طريق إحدى العلتين في الأصل أقوى من طريق صحة الأخرى في أصلها.

  وإنما تكون طريق وجودها في الأصل أو الفرع أقوى من طريق وجود العلة الأخرى بأن يكون أحدهما يعلم وجوده بالحس والصورة نحو كون البر مكيلاً أو مطعوماً، وكون الأرز مكيلاً أو مطعوماً.

  ويكون وجود الأخرى معلوماً بالإستدلال نحو أن يكون حكماً شرعياً كقولنا طهارة عن حدث وغير ذلك.

  أو يكون وجود أحدهما معلوماً بدليل ووجود الأخرى مظنوناً بأمارة، أو يكونا جميعاً مظنونين بأمارتين غير أن أمارة وجود أحدهما أقوى ولا شكّ أن ذلك وجه ترجيح؛ لأن الوصف لا يكون علة في الأصل ولا في الفرع إلا وهو موجود فيهما فإذا كان علمنا أو ظننا لوجود وصف فيهما أقوى، من علمنا أو ظننا بوجود الوصف الآخر، فقد صار لكونه علة حكم الأصل والفرع أقوى من علمنا أو ظننا لكون الآخر علة حكم الأصل والفرع.

  وأما التي يكون طريق كونها علة حكم الأصل أقوى: فهي التي يكون طريق كونها علّة حكم صريح نص، ويكون طريق الأخرى تنبيه نص، وطريق الأخرى الإستنباط، وتكون أمارة إحداهما أقوى من أمارة الأخرى، وإنما كان ذلك ترجيحاً لأن ما قوي طريقه قوي الظن له والإعتقاد لصحته، فإذاً أقسام هذه المسألة تنحصر في أقسام صورتها أن تقول: لا تخلو طريق العلة: إما أن يكون معلوماً أو مظنوناً.

  فإن كان معلوماً فلا يخلو: إما أن يعلم بالمشاهدة وما هو في حكمها أو بغيرها.

  فإن علم بغير المشاهدة فلا يخلو: إما أن يكون بالنص أو الإجماع؛ فإن علم بالنص فلا يخلو إما أن يفتقر إلى الإستدلال أو لا يفتقر إلى الإستدلال.