مسألة: [الكلام في الأمر إذا ورد بعد الحظر، هل يقتضي الإيجاب أم لا؟]
  وأما اقتضاؤه الوجوب من جهة الشرع، فلقوله سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}[النور: ٦٣]، فتهدد على مخالفة الأمر، وذلك يقتضي الوجوب؛ لأنه سبحانه وتعالى لحكمته لا يتهدد على الإخلال بفعلٍ إلا وذلك الفعل واجب.
  ولأن المعلوم من حال الصحابة والتابعين وتابعي التابعين إلى يومنا هذا الإحتجاج بأوامر الله سبحانه على وجوب مقتضياتها، ولهذا قال أبو بكر بمحضر الجماعة: (لا أفرق بين ما جمع الله بينه) وأقره الجميع على ذلك، ولأنهم كانوا يفزعون إلى ظواهر الأوامر فيقطعون بها شغب المخالف، ويلزمونه إلزام الإيجاب، فلا يقابل ذلك الخصم بأن الأمر لا يقتضي الإيجاب، بل يرجع إلى تخصيص، أو دعوى إجمال، أو نسخ، أو تعارض بظاهر آخر، وهذا هو المعلوم من عادتهم.
مسألة: [الكلام في الأمر إذا ورد بعد الحظر، هل يقتضي الإيجاب أم لا؟]
  اختلف أهل العلم المتفقون على أن الأمر يقتضي الإيجاب في وروده بعد الحظر هل يقتضي الإيجاب أم لا؟
  فذهب الأكثر إلى أنه إذا ورد بعد الحظر اقتضى الإباحة، وذلك في مثل قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة: ٢]، وقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}[الجمعة: ١٠].
  وذهب شيوخنا إلى أنه بعد الحظر لا يغير مقتضاه، بل يجب حمله على الإيجاب أيضاً كما كان وهو الذي كان شيخنا | يعتمده، وهو الذي نختاره.
  وحجة من قال بالأول ما في القرآن من الآي، وما شاكلها.
  والكلام عليه: أنا نقول: إنها إنما حملت على الإباحة لدلالة من الإجماع وغيره، فالذي علمنا به وجوب الأمر إذا ورد بعد الحظر العقلي هو الذي علمنا به وجوب الأمر إذا ورد بعد الحظر الشرعي؛ لأن وروده بعد الحظر لا يغير معناه وفائدته.