[مسألة الكلام في جواز تأخير التبليغ]
  المصلحة في التأخير من قبل الله سبحانه لم يجز له(١) التأخير عندنا من قبل العقل وهذا موضع الخلاف.
  والذي يدل على صحة ما نقوله: أن الله سبحانه أمره بالتبليغ لتعلق المصلحة لا لوقوع الفعل، ولا سبيل له # إلى علم المصالح؛ لأن المصالح غيوب استأثر الله سبحانه بها، ولهذا اختلف التعبد، ولهذا نُفِيَ أن يكون إلى الأنبياء $ التحليل والتحريم، خلافاً لبعضهم؛ لأنه لا هداية لهم إلى علم المصالح، ولأنه كما يصح تجويز تعليق المصلحة بالتأخير، يصح تجويز تعليقها بالفور، ومع هذين التجويزين يرجع إلى الظاهر، وهو الفور في حقه #، هذا من جهة العقل.
  فأما الشرع: فدلالته في هذا الباب مبنية على علم المصالح، ولا سبيل له إلى العلم بذلك إلا من قبل الله سبحانه، ونعلم ذلك من الخطاب، فإن وجد فلا مانع من جواز التأخير للدليل، ولأنه قد ظهر من أمره ÷ ما يدل على أن الشرع لم يرد بالتأخير، وهو أنه # كان يفزع لأمر الله سبحانه، ولأنه بعد تأدية الرسالة لا يأمن الموت، وكان ذلك الظاهر من أمره، ولا ندري على أي وجه يقع لأن هذا مما استأثر الله بعلمه ونطق به كتابه في قوله سبحانه: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}[لقمان: ٢٤]، فكان لا يأمن أن يؤجل التبليغ فيقع عليه بعض ما يجوز وقوعه قبل التبليغ من موت أو قتل، فيكون قد أخل بالواجب، ولا يبنى عندنا أمره في ذلك على خلاف أهل الفور والتراخي، فإنهم وإن اختلفوا في ذلك، فقد صح لهم بالأدلة الشرعية أن المصلحة متعلقة بالأمرين جميعاً، وأن كل واحد منهما صواب ممن أداه اجتهاده إليه إذا وفَّى الإجتهاد حقه وجمع شروطه.
(١) نحو ما روي أن النبي ÷ أمر بالنص على إمامة أمير المؤمنين # في حجة الوداع بمكة؛ فقال لجبريل # إذاً تثلغ قريش رأسي» فأخر ذلك حتى انتهى إلى غدير خم، فنزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... إلخ}[المائدة: ٦٧]، فبلغ كما أمر فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه ... إلخ» الخبر المشهور. تمت من المقنع.