صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في عدم جواز نسخ الكتاب والسنة المتواترة بالآحاد]

صفحة 159 - الجزء 1

  وكذلك إذا ركع الإمام فسجد المأموم قبل، خالفه قولاً ظاهراً، فإذا علمنا من النبي ÷ فعل فريضة من الفرائض، أو نوع من أنواع العبادة على وجه مشروط بشرط، ثم رأيناه # فعل ما يخالف ذلك الفعل في الصورة مع وجود ذلك الشرط علمنا أن الأول قد نسخ.

  ومثاله أن يعلم أن الصلاة فرضت عليه قائماً بشرط الإمكان، ثم نراه يصلي جالساً مع علمنا بتمكنه من القيام؛ فإنا نعلم أن القيام قد نسخ، أو يفرض عليه الصلاة إلى جهة كبيت المقدس مثلاً فنراه يصلي إلى البيت الحرام حرسه الله تعالى؛ فإن هذين الفعلين متعارضين في العرف، ومفهوم أهل اللغة.

  وقد ذكر شيخنا | أمثلة كثيرة يؤيد فيها أن الأفعال لا يدخلها التعارض وهي لا تلزم على ما ذكرنا لأنا لا نريد بتعارض الأفعال إلا اختلاف الهيئات والصور والحالات عند أهل اللغة، كأن مثلاً نؤمر بالسجود على الجبين، فيأتي آخر يسجد على خده، فإن هذا مخالف لمقتضى الأمر، أو يؤمر بالفعل في وقت فيفعله في وقت آخر، أو على شرط آخر، وأمثال ما ذكرناه كثيرة، وميلنا إلى الإيجاز.

مسألة: [الكلام في عدم جواز نسخ الكتاب والسنة المتواترة بالآحاد]

  لا يجوز نسخ الكتاب والسنة المتواترة عندنا بأخبار الآحاد وخالف في ذلك أصحاب الظاهر.

  والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه: أن الكتاب والسنة معلومان، وخبر الواحد مظنون، ولا يجوز العدول عن المعلوم الصحة إلى المظنون.

  أما أنهما معلومان فذلك ظاهر، وفي المعلوم فرض الكلام، وأما أن خبر الواحد مظنون الصحة فذلك مما لا خلاف فيه وسيأتي شرحه في باب الأخبار إن شاء الله تعالى.

  وأما أنه لا يجوز العدول عن المعلوم إلى المظنون، فلأنا تعبدنا بالتحفظ في الأمر من العبادة وغيره، والإستقصاء في حاله حتى يصل إلى العلم أو يقاربه فيما لم نجد إلى العلم به طريقاً، ومن ذلك لم يجز لنا العدول عن النص إلى القياس والإجتهاد؛ فإذا حصل العلم