صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في أنه لا حاجة إلى تعرف أحوال الناقلين إذا حصل لنا العلم]

صفحة 175 - الجزء 1

  والذي يدل على صحته: أن نقل الكفار والفساق لو لم يكن طريقاً إلى العلم لما صح لنا العلم بكثير من الملوك والبلدان، ومعلوم أنه حاصل لنا.

  أما أنه لو لم يكن طريقاً إلى العلم لما علمنا كثيراً من الملوك والبلدان، فلأن كثيراً من الملوك والبلدان لم نعلمه إلا بنقل الكفار.

  وأما أنه حاصل لنا، فذلك معلوم لنا من أنفسنا، كعلمنا بما نقله إلينا المسلمون من أخبار النبي ÷ والبلاد الإسلامية كمكة وبغداد فصح ما قلناه، وثبت أن خبر من قدمنا يكون طريقاً إلى العلم.

مسألة: [الكلام في أنه لا حاجة إلى تعرف أحوال الناقلين إذا حصل لنا العلم]

  فإذا حصل العلم كما قدمنا في المسألة الأولى، لم يكن بنا حاجة إلى تعرف أحوال الناقلين كما ذهبت إليه الإمامية وأبو الهذيل وعباد، في أنه لا يحصل العلم إلا بخبر الإمام، أو خبر جماعة فيهم معصوم، كما ذهب إليه أبو الهذيل وعباد⁣(⁣١)، أو لا بد من جماعة من المؤمنين كما قاله بعضهم.

  وإنما قلنا ذلك؛ لأن العلم الذي يحصل عقيب خبر المخبرين لنا حاصل من قبل الله سبحانه لاستحالة أن يكون منهم؛ لأنهم لا يقدرون على إحداث العلم فينا على ما ذلك مقرر في موضعه من أصول الدين، ولا هو من فعلنا؛ لأنه لا يقف على دواعينا واختيارنا، ولا يحصل بحسب قوانا وقدرتنا ودواعينا، وذلك أمارة ما يكون من قبل الله سبحانه، فإذا كان ذلك كذلك وجب علينا اعتبار حال نفوسنا، فإن حصل العلم وجب علينا العمل بمقتضاه، وإن لم يحصل لم يجب شيء من ذلك، ويصير بمثابة ما يعلم بالمشاهدات وبداية العقول، فكما أن الحجة لا تلزمنا إلا بحصول العلم فكذلك في مسألتنا.


= وثلاثين ومائتين. انظر الجداول (خ)، والمنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل.

(١) عبّاد بن سليمان الصيمري المعتزلي، من الطبقة السابعة، وله كتب معروفة وبلغ مبلغاً عظيماً وكان من أصحاب هشام الفوطي، وله كتاب يسمى الأبواب نقضه أبو هاشم. توفي سنة (٢٥٠ هـ)، انظر كتاب المنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل.