صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في الخبر إذا ورد بخلاف القياس هل يقبل ويترك القياس أم لا؟]

صفحة 207 - الجزء 1

  وقال عيسى بن أبان: إن كان راوي الحديث ضابطاً عالماً غير متساهل فيما يرويه، وجب قبول خبره وترك القياس، وإن كان الراوي بخلاف ذلك كان موضع اجتهاد.

  وذكر أن في الصحابة من رد حديث أبي هريرة بالإجتهاد.

  وحكى عن مالك أنه رجّح القياس على الخبر.

  ومنهم من قال طريقه الإجتهاد.

  وحكى شيخنا ¦ عن الشيخ أبي الحسين البصري تفصيلاً في ذلك محصوله يرجع إلى أن الخلاف بين العلماء إنما وقع في القياس الذي يكون الحكم في أصله ثابتاً بدليل مقطوع به، وتكون علته مستنبطة أو ثابتة بنص غير مقطوع به، وورد خبر الواحد بخلافه دون ما ليس كذلك، وإن كان الأصوليون ذكروا الخلاف فيه مطلقاً.

  وكان شيخنا ¦ يذهب إلى أن الخبر أولى من القياس، وهو الذي نختاره.

  والدليل على صحته: أن الخبر قائم في الدلالة بنفسه، والقياس لا بد من رجوعه إلى غيره من أصله وعلته، فكان اتباع ما هو دلالة بنفسه أولى مما تعتبر صحته بصحة غيره، ولأن الصحابة أجمعوا على إطراح القياس عند وجود الخبر، وإجماعهم حجة؛ فثبت أن الخبر أولى من القياس.

  أما أن الصحابة أجمعوا على إطراح القياس عند وجود الخبر؛ فذلك ظاهر من صنعهم كما قدمنا في الرواية عن أبي بكر أنه ترك اجتهاده في توريث الجدة بالخبر، وكذلك عمر في دية الأصابع والجنين لما بلغه من الأخبار التي قدّمنا، وكان ذلك من غير مناكرة بينهم فكان إجماعاً.

  ولأن النبي ÷ لما قال لمعاذ: «بم تحكم؟» قال: (بكتاب الله)، قال: «فإن لم تجد؟» قال: (فبسنة رسول الله ÷)، قال: «فإن لم تجد؟» قال: (أجتهد رأيي)، فقدم السنة على الإجتهاد، والسنة قد تكون ما يسمعه وما ينقله إليه غيره، وذلك ظاهر من صنعهم كما قدمنا فصوبه النبي ÷، فثبت أن الخبر أولى من القياس.