صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في الترجيح بين المسند والمرسل]

صفحة 226 - الجزء 1

  فكان عيسى بن أبان يرجح المرسل على المسند.

  وعندنا أن ذلك لا يوجب الترجيح؛ لأن إسناده للخبر جائز بل ربما أكده؛ لأن بعض أهل العلم وهو الشافعي قد روي أنه قال: المسند أقوى من المرسل، وأقل أحواله أن يكون مثله.

  ولأن مراسيل الخبر يجوز أن يكون حُذِفَ إسناده لبعض الأغراض الصحيحة ومدار الأمر في هذه المسألة وما شاكلها على قوة الظن، فما قوي معه الظن كان مرجحاً، وقد قدّمنا الكلام في أن من الصحابة من يروي موقوفاً ما سمعه مسنداً كما روينا عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله ÷: «لا ربا إلا في النسية» ثم لما بحث عن ذلك، قال: أخبرني بذلك أسامة بن زيد، وكذلك أبو هريرة روى عن


= المحتاطين، المطلعين على أحوال الراوين، والمروي له على خلاف ذلك بحيث لو سمي له الرواة لم يعرف أحوالهم، أو يعرف معرفة غير راسخة فلا شك أن الإرسال في هذه الصورة ممن لا يرسل إلا عن عدل أرجح، وفيه كفاية المؤنة بتحمل العهدة عن البحث، ونظر هذا الإمام على كل حال أقوى، وقد يكون الحال على العكس، فلا ريب مع ذلك أن الإسناد أولى وأحرى، لتلك المرجحات الأولى، وعلى هذا الترجيح فيما بينهما من الدرجات، ومع استواء الحالين فالإسناد أصح وأوضح، إذ يجوز أن يكون المرسل لم يطلع على موجب لجرح في الرواة أو أحدهم أو نحو ذلك، وبالإطلاع على الرجال، يرتفع هذا الاحتمال، وكذا من صح عنه أنه لا يروي إلا عن عدل سواء أسند أو أرسل لتحمّله العهدة على الإطلاق، وزيادة الاستفادة من إسناده لمعرفة ثقات الرجال عنده، والوقوف على الأحوال، وبيان تعدد الطرق عند اختلاف الإسناد، وللترجيح بين الرواة مع التعارض، ولصحته بالإجماع، ونحو ذلك مما لا يخفى من مرجحات الإسناد على الإرسال، ولم يعدل أئمة الهدى À عنه في بعض الأحوال إلا لمقاصد راجحة، ومقتضيات واضحة، لا تخفى على ذوي الأنظار الصالحة، منها: قطع تشكيك المتمردين على السامعين، لتناول المخالفين بالطعن والجرح لثقات المرضيين، وصيانة الأعلام، من ألسن الجفاة الطغام، ومنها: محبة التخفيف مع كثرة الإشتغال بأحوال المسلمين، وجهاد المضلين، والقيام بمعالم الدين، وإحياء فرائض رب العالمين، ومنها: الإحالة بالمراسيل في مقام على ما علم لهم من الأسانيد الصحيحة في غير ذلك المقام، وغير ذلك مما لا يذهب عن أفهام المطلعين الأعلام، فهذا الذي ترجح لدي في هذا الباب، والله الموفق للصواب، انتهى.