صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في الترجيح بالذكورة والحرية]

صفحة 228 - الجزء 1

  والذي يدل على صحته: ما تقرر من أن الأخبار إذا وردت كان الذي يثبت الأحكام الشرعية أولى مما ينفي على حكم العقل، فوجب إطراح الخبر الذي يدرؤ الحد؛ لأنه مبني على حكم العقل؛ لأن العقل لا يقضي بإيلام أحد، فالحكم حينئذ يكون للطاري.

  وكان شيخنا ¦ يحتج لصحة ما يختاره بأنه إذا تقرر وجوب درء الحد بالشبهات عن الأعيان بعد استقرار حكم الحد في الشريعة، فبأن يكون درؤه قبل الإستقرار أولى.

  ويمكن أن يجاب عن ذلك: بأن الدرء في أصل اللغة إنما يكون للواقع لا محالة لولا الدرء، فأما ما يتراخى وقوعه فلا يسمى في اللغة درءاً إلا على وجه المجاز، وذلك ظاهر عند أهل اللغة وإثبات الحد في الجملة حكم شرعي وليس له وقوع على شخصٍ معين، فيقال: بأنه يجب درؤه أو لا يجب.

  فأما ما ذكر من أن تعارض البينتين يوجب سقوط الحد فكذلك الخبرين، وإنما وجب فيه ذلك لوجوب درء الواقع من الحدود، ولا يمكن إدعاء سواه، وليس هذا من موضع الخلاف في شيء، متعلق بمعنى قوله عليه وآله السلام: «ادرأوا الحدود بالشبهات⁣(⁣١)» وما ذكرنا بمعزل منه.

  وما ذكره ¦ من أنه إذا وجب درؤه بعد استقراره في الشريعة، فدرؤه قبل استقراره أولى، بعيد جداً؛ لأنه لا يصح درء ما لم يستقر فضلاً عن أن يكون أولى.

  فأما قول من يقول باستوائهما فقول لا وجه له عنده لأن وجه الترجيح حاصل في أحدهما وهو الحكم الشرعي، وقد ثبت وجوب العمل بأخبار النبي ÷ ما أمكن، وحصول الترجيح على حال الظهور أبلغ وجوه الإمكان.


(١) رواه الإمام أحمد بن عيسى في رأب الصدع (٣/ ١٤١٩) رقم (٢٤١٩)، وأخرجه بألفاظ متقاربه في سنن البيهقي الكبرى (٩/ ١٢٣) رقم (١٨٠٧٣)، وسنن الترمذي (٤/ ٣٣) رقم (١٤٢٤)، والمستدرك (٤/ ٤٢٦) رقم (٨١٦٣)، ومسند أبي يعلى (١١/ ٤٩٤) رقم (٦٦١٨).