صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في أن التابعي إذا كان في عصر الصحابة اعتبر في إجماعهم]

صفحة 249 - الجزء 1

  ثم روى عن أبي طلحة⁣(⁣١): (أن البرد لا يفطر)، وكان شيخنا | يذهب إلى هذا ويحتج له بأن الإجماع معلوم الصحة، وخبر الواحد مظنون الصحة، فلا يجوز ترك المعلوم للمظنون.

  وعندنا أن أخبار الآحاد تقدح في الإجماع؛ لأن ظاهر الإجماع لا يكون أصح متناً وأعظم حرمة وأوجب حقاً من ظاهر الكتاب، وقد عدل عن ظاهر الكتاب لخبر الآحاد كما فعله عمر في قوله تعالى: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}⁣[التوبة: ٥]، وعدل عن هذا الظاهر لخبر عبد الرحمن بن عوف كما قدمنا.

  وأما ما ذكره ¦ من المنع عن ذلك؛ لأن الإجماع معلوم، وخبر الواحد مظنون، وقد ترك له وإنما ترك له والحال هذه لأن ظاهر الكتاب محتمل، وخبر الواحد لا يحتمل، لأنه يرد بالأمر مفصلاً ولا شك في كون ظاهر الإجماع أشد احتمالاً من ظاهر الكتاب وأوسع سبلاً للتأويل.

  فأما خلاف أبي طلحة فإنما لم يعمل عليه لانعقاد الإجماع بعده، والخلاف إذا انعقد بعده الإجماع لم يلتفت إليه، ويجوز أن يكون ترك اتباعه والعمل به لخللٍ في أمر الراوي أو في روايته.

مسألة: [الكلام في أن التابعي إذا كان في عصر الصحابة اعتُبر في إجماعهم]

  التابعي إذا خالف الصحابة وهو في عصرهم، وكان لاحقاً بهم في العلم فإنه لا يكون إجماعاً ويعتبر بخلافه.

  وحكى شيخنا ¦ أن ذلك مذهب أصحاب أبي حنيفة والشيخ أبي عبدالله والقاضي، وذهب بعضهم إلى أن التابعي لا يعتد بخلافه في إجماع الصحابة، واختيارنا هو الأول.


(١) أبو طلحة: زيد بن سهل بن الأسود الأنصاري الخزرجي النجاري شهد بدراً وما بعدها وهو الذي أمره عمر بضرب أعناق أهل الشورى إن لم يصلحوا على الكيفية التي أمر بها. توفي سنة نيف وثلاثين. انظر لوامع الأنوار (٣/ ٢٠٣)، والجداول (خ).