مسألة: [الكلام في هل كان النبي ÷ متعبدا بالإجتهاد أم لا؟]
  وحكى شيخنا ¦ عن أبي يوسف أنه قال: كان عليه وآله السلام متعبداً بذلك وتأوله الشيخ أبو علي على الحروب وأحكام الدنيا، وهو اختيار القاضي في بعض المواضع.
  وجوّز الشافعي في رسالته أن يكون في الأحكام الشرعيات ما قاله عليه وآله السلام اجتهاداً.
  وجوز قاضي القضاة ذلك في مواضع ولم يقطع عليه، وإليه ذهب الشيخ أبو الحسين البصري، وكان شيخنا ¦ يعتمده، ويحتج له بأنه لا دلالة في العقل ولا في الشرع توجب القطع على أنه تعبد، ولا على أنه # لم يتعبد بذلك فيجب التوقف، إذ لا يجوز القطع بغير دلالة واختيارنا هو المذهب الأول.
  والذي يدل على صحته: أن النبي ÷ لو تعبد بالإجتهاد في شيء من الشرعيات لجازت مراجعته فيه ومعلوم أن مراجعته في الشرعيات لا تجوز، فثبت أنه لم يتعبد بالإجتهاد في شيء منها.
  أما أنه لو تعبد بالإجتهاد في شيء من الشرعيات لجازت مراجعته؛ فلأن ذلك حكم كل مجتهد، وهو عليه وآله السلام وغيره في ذلك سواء، ولأنه قد تقرر جواز مراجعته فيما صح تعبده بالإجتهاد فيه كآراء الحروب وأمور الدنيا من دفع المضار وجلب المنافع.
  وأما أن مراجعته في الشرعيات لا تجوز؛ فذلك معلوم لنا من دين المسلمين كافة أن أمرهم معه عليه وآله السلام في الشرعيات مبني على القبول والتسليم من غير منازعة، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ٣ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ٤}[النجم: ٣ - ٤].
  ووجه الإستدلال بهذه الآية: أن الله سبحانه أخبرنا أن جميع ما ينطق به وحي يوحى، وذلك لا يحمل على غير الشرعيات، فلو كان فيها ما صدر عن اجتهاده عليه وآله السلام لما أطلق عليه أنه وحي يوحى؛ لأن اجتهاد الرأي لا يكون وحياً، فوجب بما ذكرنا القطع