صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

فصل: [في بيان الخطاب الوارد من الحكيم سبحانه]

صفحة 39 - الجزء 1

  والعرفية: هي كل لفظة أفادت ما نقلت إليه بعرف اللغة عند إطلاقها، كقولنا: غائط، لقضاء الحاجة المخصوصة؛ لأن قولنا غائط كان في أصل اللغة موضوعاً للمكان المنخفض، ثم صار بنقل العرف يفيد قضاء الحاجة المخصوصة إذا أطلق.

  والشرعية: هي كل لفظة إذا أطلقت سبق إلى فهم السامع معنىً شرعي كقولنا: صلاة، فإنها كانت في أصل اللغة موضوعة للدعاء، ثم صارت بنقل الشرع تفيد الأفعال والأذكار المخصوصة.

فصل: [في بيان الخطاب الوارد من الحكيم سبحانه]

  فإذا ورد الخطاب من الحكيم سبحانه كان لا يخلو إما أن يتناول معنى أو لا يتناوله، باطل أن يخاطب سبحانه بخطاب لا يدل على معنى، كما ذهبت إليه الحشوية⁣(⁣١)؛ لأن ذلك يلحق خطابه بالقبح، والقبح لا يجوز عليه سبحانه، على ما ذلك في موضعه من أصول الدين.

  وإذا تناول معنى فلا يخلو إما أن يتناوله بظاهر لفظه من دون اعتبار غيره، أو لا يتناوله إلا باعتبار غيره، فإن تناوله من دون اعتبار غيره فهو الحقيقة، وإن تناوله بشرط اعتبار غيره فهو المجاز.

  ولا يجوز أن يخرج خطابه سبحانه عن هذه الأقسام؛ لأنه حكيم، والحكيم لا يخاطب بخطاب لا يفهم منه فائدة أصلاً؛ لكون ذلك عبثاً قبيحاً على ما ذلك مقرر في مواضعه من أصول الدين، كما ذكرنا؛ فإذا ورد الخطاب منه سبحانه محتملاً لمعنيين أو أكثر، ومحتملاً للمجاز وجب حمله على الحقيقة الشرعية؛ لأنها آخر الناقلين، وأقربها إلى الخطاب عهداً متى أمكن، فإن لم يمكن حمل على العرفية؛ لأنها ناقلة والحكم للطاري


(١) الحشوية: لا مذهب لهم منفرد وأجمعوا على الجبر والتشبيه وجسموا أو صوروا وقالوا بالأعضاء وقدم ما بين الدفتين من القرآن. قال الحاكم: ومنهم أحمد بن حنبل وداود الظاهري والكرابيسي. ومن متأخّريهم محمد بن إسحاق بن خزيمة صَنّف كتاباً في أعضاء الرب تعالى عن ذلك. انتهى الملل والنحل.