صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في الحوادث التي اختلف فيها المجتهدون هل لها حكم عند الله تعالى هو الأشبه أم لا؟]

صفحة 369 - الجزء 1

  واحتج من ذهب إلى المذهب الأول: بأن المكلف طالب ولا بد للطالب من مطلوب معين، إذ يستحيل طلب الأمر الذي لا يتعين، كما نعلم فيمن يتحرى جهة القبلة أنه لا بد له من جهة لو أصابها لأصاب الحق إلا أنه يعذر إذا أخطأها.

  ويمكن أن يتكلم في هذا بأن يقال: إن هذا التمثيل خارج عما نحن فيه؛ لأنه فرض في أمرٍ فيه مطلوب معين، ونحن لا نسلم أن نافي الإجتهاد مشارك لهذا في هذا الوجه فيقيسونه عليه، ولا نجد إلى تصحيح ذلك سبيلاً.

  وبعد فلو كان ما ذكره مستقيماً لما كان المعقول من الأشبه إلا ما تعبد به، وهو العمل على ما يغلب على ظنه أنه الحق، ولا معنى لذكر الأشبه في تلك الحال على غير هذا الوجه؛ لأنه إن أريد به غير ما كلف بإصابته فنحن لم نبن الكلام إلا على ما كلف بإصابته، وإن أريد به ما لم يكلف بإصابته فهو مما نحن فيه بمعزل، ومثلوه بأمثلة كثيرة إلا أنها لا تجري هذا المجرى.

  وجملة الأمر: أنا نعلم أن الأشبه غير معقول حتى يتكلم في نفيه وإثباته، فينبغي أن يطالبوا بإثباته معقولاً حتى ينظر في أمره، ولا سبيل إلى إثباته معقولاً؛ لأن الوجه الذي يفيدها معنى قولنا إن الفرع بأصل من الأصول أشبه منه بغيره إن لم يرجع به إلى غالب الظن عند المجتهد، أن رد الفرع إلى بعض الأصول وإجراء حكمه عليه أولى من رده إلى سائر الأصول لم يكن له معنى يعقل، بدلالة أنه لو كان يعتبر في كونه أشبه بالأصل اعتبار التشابه بالصورة كما يقال: زيد أشبه الناس بعمرو، وكذلك لا يجوز اعتبار سائر الصفات التي لا تؤثر في الحكم عند المجتهد، كون الأصل موجوداً، أو مطعوماً، أو أبيض، أو أسود إلى غير ذلك من الصفات التي لا يعقل فيها التأثير، فإذا الأشبه ليس إلا ما ذكرنا.

  وإن أريد بالأشبه الأمر الذي لو ورد النص من الله سبحانه وتعالى في الحادثة لورد به وهذا يمكن الجواب عنه: بأن النص إن ورد والتكليف بحاله فالمسألة بحالها وهو أن المجتهد إنما يتعبد بما يؤديه اجتهاده إليه، والأشبه ما يغلب على ظنه اجتماع الفرع والأصل فيه