صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في الاستدلال بالأصول من طريق المعنى على الحكم]

صفحة 372 - الجزء 1

  إذا فعله المصلي خرج عند من راءه من كونه مصلياً، وهذا لا يصح لأنه لو زاد فيها من جنسها لما خرج عند من راءه مصلياً، وتفسد صلاته بالإجماع.

  فإذاً المرجع في قليل الفعل وكثيره إلى اجتهاد تقارن الحال جملته أن ما غلب على ظن المصلي كثرته كان كثيراً، وما لم تغلب على ظنه كثرته كان قليلاً، فلو قال: إن حال المجتهد فيه أصل في الإجتهاد لما كان عندي بعيداً، وعلى هذا الوجه يجري الكلام في أروش الجنايات، وقيم المستهلكات، وتولية الأمراء والقضاة، والحكم بالشهادات إلى غير ذلك من هذا القبيل، الذي يكثر لو شرحناه.

مسألة: [الكلام في الاستدلال بالأصول من طريق المعنى على الحكم]

  واعلم أنه متى يقع القياس على الأصول فقد يقع الإستدلال بها من طريق المعنى كما يقع الإستدلال بها من طريق اللفظ، وذلك كالإستدلال على نجاسة الكلب بأمر النبي ÷ بغسل الإناء من ولوغه، وذلك لأن الغسل في الشريعة إنما يجب بوجهين:

  أحدهما: العبادة، والثاني: إزالة النجاسة، وقد علمنا أنه لا عبادة علينا في غسل الإناء لأنا لو استغنينا عن الإستنفاع به واستعماله لم يجب غسله بالإجماع، فنعلم أن غسله إنما وجب لنجاسة الكلب بهذا الإستدلال.

  وكذلك القول في نجاسة المني أنا نستدل على نجاسته بوجهين:

  أحدهما: أن النبي ÷ قرنه بالنجس الذي يجب غسله بالإجماع كالغائط والبول فلو لم يكن من جنسه لما قرنه كما لا يجوز أن يقول: إنما تغسل ثوبك من ماء الورد أو غيره من الطاهرات التي لا تأثير لها في وجوب الغسل، ومن البول.

  وثانيها: أن ما يخرج من الجسد ضربان: طاهر مجمع على طهارته كالعرق وما شاكله، ونجس مجمع على نجاسته كالغائط والبول، وما ينقض الوضوء هو النجس دون الطاهر، والمني مما أجمع على أنه ينقض الوضوء فيجب أن يكون نجساً، والذي يجري هذا