مسألة: [الكلام في وجوب تقديم الأمر على المأمور به]
  فالمروي عن الفقهاء أن الواجب واحدة لا بعينها، وهي التي يعلم الله تعالى أن المكفر إن كفر لم يكفر إلا بها.
  وذهب أبو علي، وأبو هاشم إلى أن كل واحدة منها واجبة على وجه التخيير.
  وحكى الشيخ أبو عبدالله عن أبي الحسن رحمهما الله تعالى أنه كان ربما نصر القول الأول، وربما نصر الثاني، وكان شيخنا | يذهب إلى أن الكل واجب على التخيير وهو الظاهر من مذهب أصحابنا، وهو الذي نختاره.
  ويتعين الخلاف بين المذهبين في من حنث في يمينه، ثم حلف ثانياً ما العتق واجب عليه، ثم كفر بالإطعام مثلاً فعندنا يحنث، وعند الفقهاء لا يحنث، وكذلك لو كفر بالعتق والمسألة بحالها حنث عند الجميع، عندنا لأنها إحدى الواجبات عليه؛ وعند الفقهاء لأنه انكشف بفعله له أنه كان الواجب عليه.
  والذي يدل على صحة ما قلناه: أنه لو تعبده بواحدة دون غيرها لوجب أن يبين، والثاني أنه لم يبين.
  أما أنه سبحانه لو تعبده بواحدة دون غيرها لبين: فلأنه حكيم، والحكيم لا يتعبد بأمر لا يبينه، لأن ذلك يلحق بتكليف ما لا يعلم، وهو قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح على ما ذلك مقرر في مواضعه من أصول الدين.
  وأما أنه لم يبين: فذلك ظاهر، وقولهم: إنه لم يبين لعلمه سبحانه أنه لا يَعْدُو الواجب عليه، باطل؛ لأن مثل ذلك لا يحصل مستمراً بالإتفاق(١) من دون العلم، كما أنه لا يجوز من الله سبحانه أن يتعبّدنا بتصديق نبي لا يظهر على يديه علَماً معجزاً لعلمه أنا لا نصدق إلا الصادق الذي يريد تصديقه منا.
(١) لأن المكلف كما يختار الصواب فقد يختار الخطأ؛ لأنه إنما يختار ما يفعله منها من غير علم، وكل ما كان حاصلاً من دون علم فلا يجوز استمراره على طريقة واحدة؛ لأنه لا يجوز استمرار الصدق في الأخبار الكثيرة عن الغيوب ممن ليس بعالم بمخبراتها، ولا استمرار الفعل المحكم ممن ليس بعالم، تمت مقنع معنى.