من أخبار الإمام عيسى بن زيد
  ولا تضجر من جلوسك معه ولا تطل، ودعه فإنه يستعفيك من العودة إليه، فافعل ما يأمرك به من ذلك، فإنك إِن عدت إليه تواري منك واستوحش وانتقل من موضعه وعليه في ذلك مشقة، فقلت له: أُفعْل كما أمرتني به، ثم جهزني إلي الكوفة وودعته، وخرجت، ولمّا وردت الكوفة قصدت سكة بني حي بعد العصر فجلست خارجها بعد أن تعرفت الباب الذي نعته لي، فلما غربت الشمس إذا أنا به يسوق الجمل وهو كما وصف لي أبي لا يرفع قدماً ولا يضعها إلاّ وحرك شفتيه بذكر الله تعالى ودموعه ترقرق من عينيه ويذرف أحياناً، فقمت فعانقته فذعر مني كما يذعر الوحش من الإنس، فقلت: يا عم أنا يحيى بن الحسين بن زيد ابن أخيك؛ فضمني إليه وبكي حتي قلت: قد جاءت نفسه، فأناخ جمله وجلس معي، وجعل يسألني عن أهله رجلاً رجلاً، وامرأة امرأة، وصبياً صبياً، وأنا أشرح أخبارهم وهو يبكي، ثم قال: يا بني، أنا أستسقي على هذا الجمل الماء، فأصرف مما اكتسبته أجرة الجمل إلى صاحبه وأتقوت بباقيه، وربما عاقني عائق عن استسقاء الماء فأخرج إلى البرية يعني بظهر الكوفة فألقط ما يرمي الناس به من البقول وأتقوته، وقد تزوجت إلى هذا الرجل ابنته فهي لا تعلم من أنا إلى وقتي هذا، فولدت مني بنتاً فنشأت وبلغت وهي أيضاً لا تعرفني ولا تدري من أنا، فقالت لي أمها: زوج ابنتك بابن فلان السقا، رجل من جيراننا يستسقي الماء فإنه أيسر منها وقد خطبها وألحت علي، فلم أقدر على إخبارها، لأن ذلك غير جائز، ولا هو بكفؤ لها فيشيع خبري، فجعلت تلح علي فلم أزل أستكفي الله أمرها حتى ماتت بعد أيام، فيما أجدني آسي علي شيء من الدنيا أساي على أنها ماتت، ولم تعلم بموضعها من رسول الله ÷، قال: ثم أقسم علي أن أَنصرف فودعني، فلما كان بعد ذلك صرت إلى الموضع الذي انتظرته فيه لأراه فلم أره وكان آخر عهدي به.