طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

حكاية عن الصوفي الكيلاني

صفحة 337 - الجزء 1

حكاية عن الصوفي الكيلاني

  قال الشيخ عبد القادر الكيلاني ¥: بنيت أمري على الصدق، وذلك أني خرجت من مكة إلى بغداد أطلب العلم فأعطتني أمي أربعين ديناراً وعاهدتني على الصدق، فلما وصلنا أرض همدان خرج علينا عرب فأخذوا القافلة، فمر واحد منهم وقال ما معك؟ قلت: أربعون ديناراً فظن أني أهزأ به فتركني، فرآني رجل آخر فقال: ما معك؟ فأخبرته، فأخذني إلى كبيرهم فسألني فأخبرته فقال: ما حملك على الصدق؟ قلت: عاهدتني أمي على الصدق فأخاف أن أخون عهدها؛ فصاح ومزق ثيابه وقال: أنت تخاف أن تخون عهد أمك وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله، ثم أمر برد ما أخذوه من القافلة، وقال: أنا تائب الله على يديك فقال من معه: أنت كبيرنا في قطع الطريق وأنت اليوم كبيرنا في التوبة، فتابوا جميعاً ببركة الصدق.

  نعم الصدق من الإيمان فهو عماد الدين وبه تمامه، وفيه نظامه، وهو ثاني درجة النبوة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ١١٩}⁣[التوبة].

  وقال ÷: «عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة، وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار» وعنه ÷: «عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً».