حكاية الصفي والناقة
  القضب والعلف ويصله إليها، ويقرب لها الماء، كما لو كانت صحيحة، وعلى هذا الحال سنين حياته، وحدث أن ناقة دخلت في أحد محاجر القبائل فعقرها صاحب المحجر، بأن ضربها بفأس في وركها وجرحها، وجافت تلك الجراحة، وتوسعت حتى هانت على صاحبها، فلا هي صالحة للذبح ولا لغيره، فأهملها في الخلاء باركة لا تقوم، ولما عرف هذا الرجل الصالح محل الناقة تعاهدها يومياً بالماء والعلف صباحاً ومساءً، مدة طويلة حتى تعافت من ذلك الجرح وقامت، وأخذها صاحبها، ولم يزل هذا الصالح ديدنه في كل ما بلغه من المكسرين من الحيوانات، والمعوقين من أهل بلاده وغيرهم، وبقي على هذا سنين عديدة مشهوراً بين الناس بهذا العطف والحنان على كل ما خلق الله - سبحانه وتعالى حتى جاءه الأجل المحتوم فجهزه أصحابه، وحضر للصلاة عليه الجم الغفير ممن يعرف وممن لا يعرف، وبينا هم في التهيؤ للصلاة إذ رأوا بينهم بكرة في أحسن ما خلق الله تعالى لا يدرون من أين جاءت وهي تحن وقربت من الجنازة ووضعت رأسها قريباً ورفعته، ثم لما صفوا للصلاة وصفت بين الصفوف، قال السيد محمد حمدان: وكانت خلفي حتى وضعت رأسها على جنبي وداخلني منها خوف، ثم لما أتمينا الصلاة حنت ودموعها جارية، ثم حملنا الجنازة إلى المقبرة وهي معنا من يمين الجنازة تارة، وعن يسارها تارة، وخلفها تارة وكانت تزاحم كأنها تريد أن تحمل معهم فحاول بعضهم صدها وطردها فلم يستطع، فقال السيد العلامة يحيى بن عبد الله راوية ¦ وكان بين المشيعين: اتركوها تفعل ما تريد ولعل به غيرها لا تشاهدونهم، حتى اقتحمت المقبرة ولم نشعر إلا وهي فوق القبر ودموعها تسيل، فتعجب الناس غاية العجب، فبقيت تلك الناقة واقفة