طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

حكاية أخرى

صفحة 397 - الجزء 1

  صرت في أيديكم وليس لي عليكم يد، فيقال خفتموني وقد جئت بما ترون أهوي به إلى الفقراء ومساكين خلفي، أعينهم إليه ممدودة، فهل لكم في خير؟ قالوا وما هو؟ قال: تفوزون بشرف الذكر وبالشكر مني ما بقيت، تقسمون لي معكم نصيباً من هذا آتي به من خلفي فلعل الله يثيبكم على ذلك وتأخذون نصيبكم ويشكركم الناس. فرقّوا لكلامِه وأجابوه إلى ما طلب، فقَسموا له نصف المتاع، وكانوا قد أبقوا عليه ثيابه إما حياءً وتكرماً من أهل ذلك الزمان أو لما رأوا عليه من سيما الدين والحياء ونحو ذلك، فلما فعلوا أخرج إليهم ما كان معه من دنانير وقال: قد بقي معي نصيبكم من هذه الدنانير، فأعجبهم ذلك، ثم بايعهم بنصيبه منها في نصيبهم من الثياب وتلك العروض التي ينتفع بها أولئك الذين يعول أكثر من نفع الدنانير، فبقي عليه منها ثلاثون ديناراً فقال: لو تبعني لها أحدكم إلى صنعاء ما كان عليه بأس ولشكر صحابتي فقد لزمني لكم ولزمكم لي حق الصحابة في نحو هذا الكلام، فقال أحدهم: ليس ما يأتيني من هذا الشيخ بعد هذا سوء. فسار معه وخلوه يتبعه، فأتيا صنعاء فتلقاه إخوانه فسلموا عليه وأخبر بعضهم بعضاً حتى اجتمع منهم من أغنيائهم فسألهم تلك الدنانير الثلاثين، ففعلوا وعمدوا إلى كبش فأمر به فذبح وعمل طعاماً ودفع إلى الرجل الدنانير والطعام، وقال: احمل هذا لأصحابك فلا أشك أن عهدهم بالطعام بعيد في ذلك الجبل، فلما أتاهم الطعام والدنانير وأثنى الرجل على أبي الحسين خيراً رقت قلوبهم وخشعوا، وعلموا أنه الإيمان والصدق الله وفي الله، فأناب إلى الله تعالى من أناب، وصار أولئك من أصحاب الطبري.