صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في حكم العام إذا أثبت حكما وورد خاص يقتضي خلاف ذلك الحكم في البعض]

صفحة 104 - الجزء 1

  فإن وردا معاً فلا خلاف أن العام يبنى على الخاص؛ لأن هذا هو الواجب في كلام الحكيم سبحانه، وإن لم يردا معاً بل ورد كل واحد منهما منفصلاً عن الآخر فلا يخلو إما أن يعلم التاريخ بينهما أو لا يعلم، فإن علم التاريخ بينهما فلا يخلو إما أن يكون العام المتقدّم والخاص المتأخّر أو لا يكون.

  فإن كان العام المتقدم والخاص المتأخر فحكى شيخنا | أنه لا خلاف أيضاً أن العام يبنى على الخاص.

  وإن كان الخاص المتقدم والعام المتأخر فقد اختلفوا في ذلك:

  فمنهم من قال يبنى العام على الخاص تقدم الخاص أو تأخر، وحكاه شيخنا ¦ عن الشافعي وأصحاب الظاهر⁣(⁣١).

  وعمدتهم في ذلك: أن كلام الحكيم سبحانه وتعالى يجب استعماله ما أمكن، فإذا لم يمكن إلا ببناء العام على الخاص وجب البناء كما إذا وردا معاً.

  ومنهم من قال: إن الخاص المتقدم لا يخص به العام المتأخر بل يكون العام المتأخر ناسخاً له، وحكاه شيخنا ¦ عن عيسى بن أبان، وأبي الحسن الكرخي⁣(⁣٢)، وعمدتهم في ذلك: أن العام - والحال هذه - جار مجرى الخاص؛ لأن العام يتناول الآحاد، ويتعلق بها تعلق الخاص بما أفاده، فإذا تنافيا في القدر الذي تناوله الخاص جريا مجرى العمومين المتعارضين، ولا خلاف أنهما إذا تعارضا وعلم التاريخ أن الآخر ينسخ الأول، فكذلك هذا.

  وكان شيخنا | يعترض هذه الطريقة بأن العام لا يتناول الأعيان تناول الخاص لما دخل تحته لأنه موضوع في اللغة على حال يجوز معها دخول التخصيص وليس كذلك الخاص؛ لأنه يتناول شيئاً مفرداً دون غيره لا على وجه الشمول فإذا ورد ما ينافيه


(١) وجماعة من الحنفية وبعض المتكلمين كالشيخ أبي الحسين البصري. تمت مقنع.

(٢) وهو مذهب أكثر أصحاب أبي حنيفة منهم الشيخان أبو الحسن الكرخي وأبو عبدالله البصري، وقول قاضي القضاة، وهو اختيار السيد أبي طالب #. تمت مقنع.