مسألة: [الكلام في العموم إذا خص هل يصير مجملا أم لا؟]
  ومنهم من قال: إن أخرج الدليلُ بعضاً معلوماً حتى يكون الباقي معلوماً، فليس بمجمل، وإنْ أخرج بعضاً مجهولاً حتى يبقى الباقي مجهولاً، فهو مجمل، وحكاه عن الشيخ أبي الحسين البصري وهو الذي كان | يختاره.
  وعندنا أن العموم إذا خص لم يَخْلُ الحال فيه من أحد وجهين:
  إما أن يعلم المراد من ظاهره مع تخصيصه على التعيين أو لا يعلم؛ فإن علم المراد منه والحال هذه فليس بمجمل، فإن احتيج في معرفة المراد منه مع التخصيص إلى بيان فهو مجمل.
  ثم تستقري على هذا العموم المخصوص فما وجدت فيه صفة المجمل ألحقته ببابه، وما لم تجدها فيه أخرجته عنه وسواء كان الدليل متصلاً أو منفصلاً، وسواء أخرج بعضاً معلوماً أو غير معلوم، كما قدمنا في مسألة المسح؛ لأنه وإن وجب خروج بعض مجهول فإنه يصير بخروجه معلوماً في الثاني، والباقي معلوماً بخروج بعض معلوم منه؛ لأنه إذا تعبده الله سبحانه بإخراج البعض المجهول، ولم يعينه كان بإخراجه له يتعين، ويتعين الباقي في الثاني فيخرج بهذا عن باب الإجمال.
  وأمثال هذه المسألة على تفاصيلها كثيرة، فمنها: قوله تعالى: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة: ٥]، ثم أخرج الكتابيين ومن جرى مجراهم من المجوس والحربيين بالصلح والجزية والذمة بأدلة منفصلة إلا أنها أخرجت بعضاً معلوماً فكان الباقي معلوماً.
  فأما قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨]، فهو من باب المجمل لأنا لا نفهم المراد من ظاهره على التعيين؛ لأنه أخرج بعضاً مجهولاً لم يتعين في حال إخراجه له فكان علينا مجملاً.
  وقد ذكر شيخنا | أن قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[النساء: ٣١]، بيان لهذا المجمل، وأن البعض الذي يشاء سبحانه له المغفرة هم أصحاب الصغائر، وهو الصحيح عندنا لأن الأدلة قد دلت على أن