صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في معنى النسخ في أصل اللغة]

صفحة 140 - الجزء 1

  الشريعة لما كان موضوعاً له في الأصل؛ فإذا وجب نقل اللفظ في الصيام إلى الشرع، فنقل لفظ النسخ إلى الشرع أولى؛ لأن المعنى فيه أغمض وأبعد من الشبه، وكذلك الكلام في الحج لأنه كان يفيد القصد على كل حال، فأفاد في الشرع قصداً مخصوصاً، فكما وجب كونه منقولاً إلى الشرع والحال هذه، وإن كان مشبهاً لما كان موضوعاً له في الأصل، فلفظ النسخ بذلك أولى.

  فأما مشابهته لما كان موضوعاً له في الأصل فلا ننكره، ولكن لا يخرجه ذلك عن كونه منقولاً إلى الشرع كما تقدم، فإذا قد تقررت هذه الجملة صح ما قلناه.

مسألة: [الكلام في معنى النسخ في أصل اللغة]

  اختلف أهل العلم في معنى النسخ في أصل اللغة؛

  فقال الشيخ أبو هاشم: هو الإزالة.

  وقال بعضهم: هو النقل.

  وقال القاضي: أولاً إنه النقل والإزالة ثم رجع إلى قول أبي هاشم.

  وكان شيخنا | يذهب إلى أنه حقيقة في اللفظين جميعاً عند أهل اللغة.

  والذي عندنا في ذلك: أنه لا فرق بين النقل والإزالة في الأصل، ولهذا لا يصح أن تقول: أزلت هذا العود وما نقلته، ولا تقول: نقلته وما أزلته، بل يعد من قال ذلك مناقضاً جارياً مجرى من يقول: أزلته وما أزلته، وقد تقرر عند الجميع أن كل لفظين يثبت بأحدهما ما يثبت بالآخر، وينتفي به ما ينتفي بالآخر، فإن معناهما واحد كالجلوس والقعود، فلا فرق عند أهل اللغة على هذا بين النقل والإزالة.

  وأما النسخ فلا يطرد عندهم في كل مُزَال، ولا يطرد في كل منقول، ومن حق الحقائق صحة الإطراد، فإذاً النسخ عندهم إزالة مخصوصة ونقل مخصوص، ومعناهما واحد، بدليل أنهم يعقلون من قول قائلهم: نسخت الرياح آثار بني فلان، ما يعقلون من قوله: نقلت آثارهم، ويعقلون من قوله: نسخت هذا الكتاب من هذا اللوح إلى هذا القرطاس، ما يعقلون من قوله: أزلت هذا الكتاب من هذا اللوح إلى هذا القرطاس.