مسألة: [الكلام في جواز نسخ الشرائع]
  غالب الظن، والنسخ واقع عند أهل الشرع فيما ثبت بالأمارة وقوعه في الثابت بالدلالة، فلذلك ذكرنا لفظ الطريقة؛ لأنه يشمل الدلالة والأمارة.
  واشترطنا المستقبل؛ لأن الماضي لا يقع فيه.
  واشترطنا التراخي؛ لأن المقارن لا يوصف بذلك، كما إذا قال: صم اليوم ولا تصم غداً، فإن ذلك لا يسمى نسخاً، فعلى هذه الطريق يجري القول في حقيقة النسخ.
مسألة: [الكلام في جواز نسخ الشرائع]
  ذهب الكافة من علماء المسلمين إلى جواز نسخ الشرائع، وخالف في ذلك بعض المتأخرين من أهل الصلاة(١)، وهذا القول ظاهر البطلان لشذوذه وسبق الإجماع له، فإن المعلوم عندهم ومنهم أن بعض الشريعة منسوخ ببعض، كنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال البيت الحرام المعظم وما شاكل ذلك.
  وإنما يقع الخلاف في هذه المسألة بيننا وبين اليهود، فإنهم منعوا من ذلك، ثم اختلفوا؛ فمنهم من منع منه عقلاً، ومنهم من منع منه سمعاً، وقال: لولا قول موسى # إن شريعته لا تنسخ لجوزته.
  فأما الكلام مع من منع منه من جهة العقل فظاهر؛ لأنا نقول - وهم مجمعون على ذلك - إن الشرائع مصالح والمصالح يجوز اختلافها بحسب اختلاف الأزمنة والأمكنة والمكلفين، ونحن نعلم ذلك من جهة العقل، وأن تعبد الغني بخلاف تعبد الفقير، وتعبد الرجل بخلاف تعبد المرأة، وتعبد الطاهر بخلاف تعبد الحائض والجنب، والموسع عليه بخلاف تعبد المضطر، فإذا تقررت هذه الجملة لم يمتنع أن يعلم الله سبحانه أن هذا الفعل الذي أمر به مصلحة في وقت دون وقت، ولشخص دون شخص.
  وأما قول من قال من جهال اليهود إن النسخ يدل على البدا، وذلك لا يجوز على الله، فظاهر البطلان؛ لأن البدا هو أن يأمر أحدنا خادمه مثلاً في وقت معين، بفعل معين، على
(١) ومن المانعين النسخ غلاة الإمامية والتناسخية، حكى ذلك عنهم الإمام يحيى # في كتاب المعيار. تمت منهاج الوصول.