صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في قبول خبر فاسق التأويل]

صفحة 187 - الجزء 1

  وأشدهم عندنا جرماً عائشة، وعن نقلة أصحاب النهروان وغيرهم، وعامل على مقتضى الرواية وساكت عن الإنكار وذلك يفيد معنى الإجماع.

  وأما أن إجماعهم حجة، فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

  ولأنهم لما افترقوا لم يختلفوا في أن الكذب لا يجوز، بل المعلوم من حالهم التشديد على من فعل ما يعتقدون قبحه، أو كذب في شيء من كلامه، (من ذلك ما يروى أن الخوارج لما نادت قطري بن الفجاءة المازني من خلفه يا دابَّة يا دابَّة فالتفت إليهم وقال: كفرتم فقالوا: بل كفرت لكذبك علينا وتكفيرك إيانا، وما قلنا لك إلا ما قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}⁣[هود: ٦]، ثم قالوا له: تبْ من تكفيرك إيّانا، فقال لعبيدة بن هلال: ما ترى؟

  قال: إن أقررت بالكفر لم يقبلوا توبتك، ولكن قل إنما استفهمتكم، فقلت: أكفرتم؟ فقالوا: لا ما كفرنا، ثم انصرفوا)، فإذا كان الأمر كما ترى كان قول من يقول من كذب كفر، روايته أولى من رواية من يقول من كذب فسق؛ لأن الإنسان قد يتجاسر على الفسق ولا يتجاسر على الكفر.

  وقول من يقول إن من عرف بالكذب في المعاملات لا يقبل خبره، فكيف يقبل خبر من يعرف بالكذب على أكابر الصحابة، وسادات المسلمين من المهاجرين والأنصار وانتقاصهم لا بفسق؟ لأن المعلوم من حالهم أنهم لا يكذبون على أفاضل الصحابة في الرواية عنهم، وإنما يكذبون عليهم في الإعتقاد فيهم، وذلك خارج عن باب الأخبار، وكانوا لا ينقصون إلا من يعتقدون الصواب في انتقاصه ومحاربته.


= ووصفه المنصور بالله # بالغفلة، لحق بمعاوية، ودخل الكوفة وأساء القول في أمير المؤمنين #. انظر لوامع الأنوار (ط ٢ - ٣/ ٢١٠)، الجداول (خ).

(٢) النعمان بن بشير بن سعد الخزرجي، كان من حزب معاوية بصفين، وغزا بعض نواحي أمير المؤمنين #، وولي حمص لمعاوية ثم ليزيد، ثم قتل بحمص سنة أربع وستين. انظر لوامع الأنوار لمولانا الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى ط ١ (ط ٢ - ٣/ ١٨٦).