صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في خبر الواحد إذا ورد في المقادير هل يقبل أم لا؟]

صفحة 213 - الجزء 1

  فأما إذا قريء عليه فلم ينكر، ولم يقل الأمر كما قريء علي، أو قد سمعت ما قريء علي، فللسامع أن يعمل على تلك الأحاديث لأن تركه للنكير يدل على سماع تلك الأحاديث، وليس لمن سمع القراءة أن يقول: أخبرني أو حدثني أو سمعت منه، لأن الشيخ لم يلفظ بشيء سمعه ولا فعل التحديث والإخبار.

  وإن قيل: إمساكه عن النكير يجري مجرى إباحته أن يحدث عنه.

  قيل: لو أباح لهم أن يحدثوا عنه لم يجز لهم التحديث عنه؛ لأن الكذب لا يصير مباحاً بإباحته، وله أن يقول: قرأه علي فلان أو قريء عليه وأنا أسمع.

  وأما المناولة: فهي أن يشير الإنسان إلى كتاب يعرف ما فيه من الأحاديث فيقول لغيره: قد سمعت ما في هذا الكتاب فيكون بذلك محدثاً بأنه سمعه، ويجوز لذلك الغير أن يرويه عنه، فيقول: حدثني فلان أو أخبرني فلان، وسواء قال أروه عني أو لم يقل ذلك.

  فأما إذا قال له: حدث عني بما في هذا الجزء ولم يقل سمعته فإنه لا يكون محدثاً له به، وإنما أجاز له التحدث به عنه، فليس له أن يحدث به عنه، فلا يكون بالتحدث كاذباً، وليس يصير ذلك مباحاً بإباحته له، وإذا سمع الشيخ نسخة من كتاب مشهور لم يجز له أن يشير إلى غير تلك النسخة من ذلك الكتاب، فيقول: قد سمعته؛ لأن النسخ من الكتاب الواحد قد تختلف، إلا أن يعلم أن النسختين تتفقان.

  وأما الكتابة: فهي أن يكتب الشيخ إلى غيره أنه سمع الكتاب الفلاني أو النسخة الفلانية، فإن اضطر المكتوب إليه أنه خطه جاز أن يروي عنه، وإن لم يضطر إلى ذلك لكنه ظنه، جاز له أن يروي بحسب ظنه.

  فأما الإجازة: فهي أن يقول الإنسان لغيره: قد أجزت لك أن تروي عني ما صح من أحاديثي، وأصحاب الحديث يجوزون له أن يقول: حدثني فلان، قالوا: لأن قوله قد أجزتُ لك أن تروي عني ما صح من أحاديثي قد سمعته فاروه عني.

  واعلم أن ظاهر الإجازة هي إباحة الشيخ التحدث عنه والإخبار عنه من غير أن يخبره ولا يحدثه، وهذا إباحة الكذب، وليس له ذلك ولا لغيره أن يستبيح الكذب إذا أبيح له،