صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في صحة تعارض أفعاله ÷]

صفحة 239 - الجزء 1

  فمنهم من قطع أنه لم يتعبد بشيء من ذلك، وحكاه شيخنا ¦ عن أبي علي وأبي هاشم وأبي عبدالله وجماعة.

  ومنهم من قطع أنه تعبد بشريعة ما.

  ومنهم من توقّف فيه توقف مجوز على ما يحكى عن بعض الشافعية، وكان شيخنا ¦ يذهب إلى القطع على أنه لم يتعبد بشيء من الشرائع كما ذهب إليه أبو علي ومن تابعه، وهو الذي نختاره.

  والدليل على صحته: أنه # لو تعبد بذلك لكان لا بد له من طريق، ومعلوم أنه لم يكن له إليه طريق فثبت أنه لم يتعبد بشيء من ذلك.

  أما أنه لو تعبد بشيء من ذلك لجعل له إليه طريقاً: فلأنه سبحانه عدل حكيم لا يفعل القبيح، ولا يخل بالواجب، والتعبد بما لا طريق إليه من جملة القبائح، فلا يجوز من الله سبحانه وتعالى أن يتعبده بشيء من ذلك، وتقرير هذه الدلالة في موضعه من أصول الدين.

  وأما أنه لم يكن له إلى شيء من ذلك طريق: فتلك الطريق لا تخلو إما أن تكون الوحي أو الأخبار، ولا يجوز أن تكون الوحي؛ لأن كلامنا في الحال قبله، ولا يجوز أن تكون الأخبار لوجهين:

  أحدهما: أنه عليه وآله السلام لم يعرف بمخالطة أهل الكتابين ولا الأخذ منهم، ولا تعرف أحوالهم.

  والثاني: أنه عليه وآله السلام قد علم اختلاطهم وتحريفهم وطعن كل واحد منهم على صاحبه، فكان ذلك يقل الثقة بهم في أخبارهم، ويمنع من الرجوع إليهم، فلم يكن يحصل له مع ذلك علم، ولا غالب ظن، ولو وجب عليه الرجوع إليهم والحال هذه لعلم ذلك من أمره؛ لأن أموره # كانت محفوظة من وقت صغره إلى كبره فلم يعلم ذلك من أمره.

  فلما صح ذلك علمنا أنه قبل البعثة لم يتعبد بشيء من الشرائع، وصح ما اخترناه.