مسألة: [الكلام في النبي هل طاف وسعى وذكى قبل البعثة أم لا؟]
  والدليل على صحته: أن الأدلة من جهة العقل كما دلت على قبح التذكية لكونها ظلماً إلا أن يبيح الشرع، وكذلك السعي والطواف عبثاً قبيحاً إلا أن يرد بهما أمر الحكيم سبحانه، وأن الأنبياء لا يقدمون على ما يعلمون قبحه ولا يجوز عليهم ذلك لكونه منفرداً، فقد دلت أيضاً على تجويز التذكية والسعي بما علم من دين الأنبياء ضرورة من جواز التذكية والسعي، وكان ÷ يعلم صدق الأنبياء ويعرف حقهم قبل البعثة وبعدها.
  ولأنه بلغنا عنه ÷ أنه كان يذكر جده عبد المطلب ويعد مناقبه ويذكر منه أفعالاً لولا اعتقاده بجوازها قبل البعثة لما جاز مدحه بها لأنها كانت تكون قبيحة، والمدح بفعل القبيح لا يجوز سيما منه #، وقال في ذلك: «إن عبد المطلب سنّ سنناً في الجاهلية فجاء بها الإسلام، سن الطواف بالبيت سبعة أشواط، وكانت قريش تزيد وتنقص، وكان لا يأكل ما ذبح على النصب، ووجد مالاً في زمزم فخمسه فجاء بذلك الشرع وسماها سقاية الحاج، فقال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ}[التوبة: ١٩]، ودفع دية ابنه عبدالله مائة من الإبل، وحرم حلائل الآباء على الأبناء(١)» فلو كانت هذه الأفعال قبيحة وكان يعلم قبحها قبل البعثة لما مدحه بفعلها وأوردها مورد إظهار الذكر لله سبحانه وتعالى باتباع الحق.
  وإذ لم يقبح من عبد المطلب لم يقبح من النبي ÷، ولأن المعلوم من حال قريش كلها تعظيم البيت الحرام وتعظيم من قصده، ولبني هاشم اليد الطولى في ذلك، ولم يكن يظهر تعظيمهم له إلا بالطواف حوله، فلو لم يشتهر بالطيافة حوله لنقصه المشركون بذلك، ومعلوم أنهم لم ينقصوه بشيء من ذلك، ولأن ذلك معلوم له من دين إبراهيم #، ولم يثبت عنده نسخه، فيقضي بقبحه، وقد قطع على صحة ما جاء به إبراهيم # وتصويبه، فهذه الوجوه كما ترى توجب التوقف.
(١) رواه السيد الإمام أبو العباس الحسني في المصابيح (١٦٩)، والإمام أبو طالب في الأمالي (٣٨٩).