صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في أنه لا يصح الإستدلال بالإجماع على ثبوت صفات الله تعالى]

صفحة 258 - الجزء 1

  والدليل على صحة ما اخترناه: أن صحة الإجماع تبتني على العلم بصحة ما جاء من عند الله تعالى من كون الإجماع حجة، وكذلك ما جاء من عند رسول الله ÷ وذلك لا يصح ما لم يعلم كونه سبحانه عدلاً حكيماً لا يفعل القبيح ولا يقع من قبله، ولا يعلم ذلك إلا بأن يعلم أنه سبحانه عالم بقبح القبيح وغني عن فعله، وعالم بغناه عنه، وأن من كان بهذه الأوصاف فإنه لا يفعل القبيح، ونحن لا نعلم كونه عالماً ما لم نعلم وقوع الفعل من قبله محكماً، ولا نعلم وقوع الفعل من قبله محكماً ما لم نعلمه قادراً، ولا نعلمه عالماً قادراً مع نفي العلم بكونه حياً، ولا نعقل ثبوت القدرة والعلم له إلا بكونه موجوداً، ولا نعلمه عالماً باستغنائه عن القبيح ما لم نعلمه عالماً لذاته، ولا نعلمه عالماً لذاته ما لم نعلمه قديماً، ولا نعلمه قديماً إلا بعد العلم باستحالة كونه محدثاً، ولا نعلم استحالة كونه محدثاً إلا باستحالة مشابهته للأشياء.

  وأما العلم بأنه غني عن فعل القبيح فهو يترتب على العلم بكونه حياً لا يجوز عليه الحاجة، واستحالة جواز الحاجة عليه لا تكون إلا باستحالة جواز المنفعة والمضرة، ولا نعلم استحالة جواز المنفعة عليه والمضرة ما لم نعلم استحالة جواز اللذة عليه، والألم وتوابعهما، ولا نعلم استحالة ذلك عليه ما لم نعلم استحالة مشابهته للأشياء المحدثات، وموضع تفصيل هذه الجملة هو أصول الدين.

  وكذلك إنهاء الكلام فيها إلى غاياته، وقد وضح العلماء ¤ من ذلك ما فيه كفاية، إلا أنا أريناك ارتباط بعض هذه المسائل بالبعض، وأنه لا يصح معرفة الإجماع بدون معرفتها فلو وقفت معرفتها على الإجماع وكان الإجماع طريقاً إليها، أدى إلى وقوف كل واحد من الأمرين على معرفة صاحبه، فلا يحصل العلم بواحد منهما، وما أدى إلى هذا القول قضي بفساده، وقد تقدم القول في أن معرفة الدليل يجب تقدمها على المعرفة بالمدلول عليه، ومعرفة وجه دلالته في المسألة الأولى.