صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في أهل العصر إذا اختلفوا على قولين]

صفحة 263 - الجزء 1

  الإجماع الأول إن كان حقاً لم يجز خلافه، وإن كان باطلاً لم يجز وقوعه وانعقاده ففي صحة أحدهما بطلان الآخر، وذلك لا يجوز.

  فأما ما ذكر الشيخ أبو عبدالله من تجويز أن يكون أحدهما ناسخاً للأول، فذلك لا يجوز، لأن النسخ لا يقع بعد النبي ÷ لأنه مات وقد كمل الدين ولأنه لا هداية للعباد إلى المصالح، والنسخ لا يجوز وقوعه إلا لمصلحة.

مسألة: [الكلام في أهل العصر إذا اختلفوا على قولين]

  فأما إذا اختلف أهل العصر على قولين فعندنا أنه يجوز الإتفاق على أحدهما، وكان شيخنا ¦ يذهب إليه، وحكى أنه مذهب الأكثر من الفقهاء والمتكلمين، قال: وحكى قاضي القضاة عن الصيرفي، أنه منع من ذلك.

  والذي يدل على صحة ما اخترناه: أنه لا مانع من اتفاقهم على أحد القولين من جهة العقل ولا من جهة الشرع، والمنع بغير دلالة لا يجوز كما قدمنا الكلام فيه.

  أما أنه لا مانع منه من جهة العقل: فلأن أدلة العقل تقضي بجواز الإتفاق بعد الإختلاف في كل أمر، كما تقضي بجواز الإختلاف بعد الإتفاق، والإتفاق قبل الإختلاف نصاً واحداً يعلمه العاقل من نفسه.

  وأما أدلة الشرع: فلا سبيل إلى ادعاء مانع فيها من الإتفاق بعد الإختلاف، ولأن الإتفاق بعد الإختلاف يكون أظهر، فكيف يكون الإختلاف مانعاً منه؟ وأكثر ما يذكر في هذا أن اتفاقهم بعد اختلافهم ينقض إجماعهم على تجويز اتباع العامي لكل واحد من القولين، ونحن لا نسلم أنهم أجمعوا على ذلك على الإطلاق بل نقول: إنما أجازوا للعامي تقليد من رجح عنده من الفريقين بشرط بقاء الفرقة، فإذا وقع الإجماع منعوه من المخالفة؛ لأنا نعلم بدلائل أصولهم أنهم لو سألوا عن ذلك لعللوا جواز فتواهم له باتباع كل واحد من الفريقين لاختلافهم عليهما.

  ومثال المسألة: اختلافهم في جواز بيع أمهات الأولاد، ثم وقع الإتفاق بعد ذلك على المنع منه.