صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في أهل العصر إذا لم يفصلوا بين مسألتين]

صفحة 269 - الجزء 1

  يصحّ عنده دون ما يبطل، ولم يكن قوله خارجاً عن قول الأمة لا في الحكم ولا في التعليل.

  أما الحكم: فلأنه قال ببعض قول أحد الفريقين في المسألتين، وبعض قول الفريق الآخر في المسألتين؛ فكان موافقاً للجميع في القدر الذي اختاره، مخالفاً مع الفريقين في بعض ما خالفا فيه، فلم يخرج عن طريقهم ولا يتبع غير سبيلهم.

  وأما التعليل: فلأنا فرضنا الكلام في مسألتين لا تكون العلة فيهما واحدة، ولا تنتظمهما طريقة رابطة، وكان شيخنا ¦ يقول: لو كان يلزم إذا أباح بعض الأمة مسألتين مباينتين وحظرهما البعض الآخر ولم يربطهما علة أن يدل ذلك من أمرهم على أن لا فصل بينهما، وأنه يحرم إحداث القول الثالث فيهما بالفصل بينهما، لوجب - إذا حرَّم بعضُهم إحدى المسألتين وأباح الأخرى، وحرم الباقون ما أباح هؤلاء وحظروا ما أباحوا - أن يكونوا قد أجمعوا على أن بينهما فرقاً؛ فلا يجوز لأحد أن يحرمهما معاً أو يبيحهما معاً، ولو لم يجز ذلك لوجب على من وافق الشافعي في مسألته أن يوافقه في جميع مذهبه ويسقط عنه الإجتهاد، والأمة مجمعة على خلاف ذلك.

  وأما الضرب الثاني: وهو إذا أشارت الأمة إلى حكمين متباينين في مسألتين كما بينا في إيجاب النية في الطهارة، وجعل الصوم شرطاً في الإعتكاف، فإنه إن جاز أن يكون بينهما فرق يذهب إليه مجتهد جازت التفرقة بينهما، وإن لم يجز أن يكون بينهما فرق بل انتظمتهما طريقة واحدة يقضى فيهما باتفاق الحكمين المتباينين على بعد ذلك لم يجز إن خالف حكمهما بل الواجب أن يقال فيهما ما قالوه وما ذكره ¦ مستقيم على التقدير الذي استبعده.

  وعندنا: أن كل حكمين متباينين في مسألتين مختلفتين لا بد فيهما من فرق يذهب إليه المجتهد؛ لأنه لو قدرنا أن لا فرق بينهما كان ذلك يلزمنا القطع على أن لا بد من علة تجمعهما، أو يلزمنا الجمع بينهما بغير علة توجب ذلك، وكل ذلك لا يجوز.