صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في الأمة إذا استدلت بدليلين، أو اعتلت بعلتين، هل يجوز إحداث دليل آخر وعلة أخرى أم لا؟]

صفحة 271 - الجزء 1

  إحداث تأويل آخر وأكثر، قال: لأن ذلك لا يكون مخالفة لهم، ولأن التابعنين لهم ومن بعدهم قد أحدثوا تأويلات، ولم ينكر بعضهم على بعض، وكان إجماعاً منهم على جوازه.

  قال: ولأنه لا يمتنع أن يكون في الآية تأويلان ويريدهما الله سبحانه بشرط البحث عنهما فتستجزيء الأمة بأحدهما، ويأتي مَنْ بعدهم فيقول بالآخر، وكلاهما حق، وجملة الأمر أن الكلام مبني على أن لا يكون في الثاني إبطال الأول، ولا نفي حكمه ولا نقضه.

  وعندنا أن الكلام في هذه المسألة يحتاج إلى تفصيل: وهو أن التأويل الثاني إن كان المرجع به إلى النقل من النبي ÷ أو إلى اللغة لم يجز إحداثه؛ لأنه لا يجوز أن يغبى ما ورد عن النبي ÷ عن جماعتهم، وكيف وهم أصل الرواية عنه، والمعلوم من حالهم التنافس في الرواية والمبادرة إلى البيان في التبليغ، وكذلك هم أهل اللغة وفرسانها، وعبار بحورها، والمبرزون في معرفتها، ولا يجوز والحال هذه أن يحصل لمن بعدهم في ذلك العلم بشيء جهلوه، وإن كان التأويل يرجع إلى المعنى، ولم يكن ينافي التأويل الأول ولا ينقض حكمه فإنه يجوز إحداثه؛ لأن التعبد به يحسن، وليس فيه بطلان تأويلهم، ولا نقض إجماعهم، ولا يمتنع تعذر إحاطتهم بجميع المعاني، بل ذلك المعلوم من حالهم وحال جميع العباد.