فصل: في معرفة طرق الإجماع التي بها يلزم فرض الإجماع
  والدليل على صحته: أنه إن قال به البعض أو فعلوه وهو من مسائل الإجتهاد، وقد ثبت أن كل مجتهد مصيب، لم يجب على الباقين إنكاره؛ لأنه إنما يجب إنكار المنكر، وهذا ليس بمنكر بل هو حق، ولا يمتنع أن يكون عند الساكت قول غير هذا القول يعتمد عليه ويختاره ولا يظهر إما لتشاغله عن إظهاره أو لبعض الموانع الممكنة.
  أو يجوز أن الصواب في المسألة غير ذلك إلا أنه لم ينظر فيها لبعض الموانع من الإشتغال وغيرها فلا يصح القطع على أن ذلك القول حاصل بإجماع الكل فيما هذا حاله.
  وأما قول من يقول إنه حجة، فإن أراد بالحجة أنه يحرم خلافه، فذلك غير مسلم؛ لأنه إنما يحرم خلاف الإجماع، وهذا ليس بإجماع، وإن عنى بالحجة أنه يجوز للعامي الإعتماد عليه عند الفتوى، فلا فرق بين انتشاره والسكوت عن إنكاره، وبين ما يقع الخلاف فيه؛ لأن فرض العامي الرجوع إلى أقوال العلماء اتفقوا عليها أو اختلفوا، وإن عنى بالحجة أنه حق فذلك قولنا، وليس فيه خلاف لما نحن عليه.
  فأما إذا كانت المسألة خارجة عما الحق فيه واحد، ولم تكن إجتهاديه وظهر فيها القول كما ذكر شيخنا ¦ فيمن يقول إن عماراً(١) أفضل من حذيفة(٢)، والسكوت عمّا هذا حاله لا يدل على الإجماع؛ لأنه لا تعبد علينا في ذلك بسكوت من سكت عنه؛ لأنه ليس عليه تعبد ولا له في معرفته طائل فائدة.
(١) عمار بن ياسر أبو اليقظان العنسي المذحجي من السابقين الأولين المعذبين في الله أشد العذاب، شهد المشاهد كلها وكان مخصوصاً منه بالبشارة والترحيب، وقال له: «مرحباً بالطيب المطيب» وقال: «عمار جلدة بين عيني وأنفي» وقال: «تقتلك الفئة الباغية» وقال: «ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار».
استشهد مع أمير المؤمنين # بصفين سنة سبع وثلاثين - رضوان الله وسلامه ورحمته عليه - وكان من خلص أصحابه ومحبيه. انظر: لوامع الأنوار (ط ٢) (٣/ ١٦٠).
(٢) حذيفة بن اليمان - مخففاً -، واسم اليمان حسيل - بضم المهملة الأولى على صيغة التصغير - العبسي، أبو عبدالله الكوفي، صحابي جليل من السابقين. توفي سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان بأربعين ليلة. انظر لوامع الأنوار (ط ٢) (٣/ ٨٣).